والخطاء ، ولا حصر لأقلّ عدد يحصل به مسمّى المتواتر في علمنا بل المرجع
فيه إلى العادة والأظهر أنّ له حدّا واقعيّا لا نعلمه ، وإنّما القدر المعلوم لنا
أن خمسة وستّة مثلا لم يبلغ عدد التواتر ، وخمسمائة مثلا بلغ حدّ التواتر ، ويبقى
بين طرفى اليقين مراتب كثيرة مشتبهة وكم له من نظير ، فإنّ جلّ المفاهيم أو كلّها
لها مصاديق متيقّنة وأفراد مشتبهة في صدق المفهوم عليها حتّى مفهوم الماء والأرض
والجدار والشجر ونحوها من المفاهيم الواضحة ، وأمّا حصر بعضهم عدد التواتر في خمسة
، وبعضهم في اثنا عشر ، وآخر في عشرين ، وآخر في أربعين ، وآخر في سبعين ، وآخر في
ثلاثمائة وثلاثة عشر كلّها ضعيفة ، واستند كلّ منهم إلى وجوه ضعيفة فاسدة لا يلتفت
إليها ، كما أنّ من قال بأنّه يعتبر أن يكون عددا لا يمكن حصرهم أيضا في غاية
السقوط ، فالأولى الإعراض عن التعرّض لهذه الأقوال وادلّتها والاشتغال بما هو أهمّ
منها.
الثاني : أن يكون إخبارهم عن محسوس أو ما كان له آثار ولوازم
محسوسة كالعدالة والشجاعة والسخاوة ونحوها فلا يكون الإخبار عن الامور العقليّة
ضروريّة كانت ككون الكلّ أعظم من الجزء ، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، أو
نظريّة ككون الجسم مركّبا من الهيولى والصورة ، وبطلان الجزء الذي لا يتجزّى ،
وتناهى الأبعاد ، وأمثالها متواترا في الاصطلاح وإن بلغ كثرة المخبرين بها ما بلغ
، ولا ينافي ذلك حصول العلم أحيانا ببعض المذكورات وغيرها من إخبار الجماعة لو علم
أنهم يستندون فيه بالمدارك الواضحة التي يبعد الخطاء فيها كلّ البعد كبعض مسائل
الحساب والهندسة إذ ليس كلّما يفيد العلم يسمّى بالتواتر ، والسرّ في اعتبار هذا
الشرط واضح ، لأنّ مناط التواتر المصطلح حصول العلم العادي لكلّ من بلغه واطّلع
عليه ، لأجل كثرة المخبرين ، وليس ذلك إلّا في المحسوسات أو ما يرجع إلى المحسوسات
لندرة الخطاء فيها ، وأمّا الامور العقليّة فإنّها محلّ لكثرة الخطاء فيها نوعا
فلا يدخل في الضابط المذكور.