المجازفات البيّنة ، ألا ترى بالعيان أنّه لا يمكننا الاطّلاع بأقوال كلّ قابل للفتوى في بلدة واحدة ، ونحن ساكنون في تلك البلدة منذ سنين ، فكيف بالبلد الآخر ، وكيف بالنسبة إلى الأزمنة السابقة التي لا يمكن الاطّلاع على أقوال علمائها إلّا بالرجوع إلى كتب اصحاب تصانيفهم ، ومن المعلوم أن جميع من كان قابلا للفتوى في الأزمنة السابقة لم يكن صاحب التصنيف ، ومن كان منهم من أرباب التصنيف أيضا لم يبق كتبه معروفة مشهورة بحيث يصل إلينا ما فيه رأيه مودع ، بل حصل لأغلب كتب المعاريف من العلماء المبرزين مثل العمّاني والإسكافي والقاضي ، بل مثل السيّد المرتضى والحلبي الاندراس حتّى أنّا لا نعلم بآراء أمثال هؤلاء إلّا بطريق نقل من تأخّر عنهم في بعض المسائل دون الكلّ ، فإذا كان حال أقوال هؤلاء [هكذا] فكيف الظنّ بتحصيل أقوال من سواهم من أهل الفتوى ، فإذن نحن نتيقّن بأنّ المدّعي للإجماع لم يرد إلّا إجماع المعروفين بالفتوى الذين أمكنه معرفة أقوالهم وآرائهم من كتبهم أو كتب من حكاها عنهم ، وأمّا قضيّة تحصيل آراء أهل عصر واحد فهو أمر صعب بعيد الوقوع جدّا ففي أيّ زمان كان لأهل الفتوى في ذلك العصر مجمع يمكن تحصيل العلم بآراء الكلّ عن حسّ ولو بالسؤال عن كلّ واحد واحد عن رأيه أو العلم به من طريق نقل غيره عنه ، وبالجملة نقل الإجماع في ألسنة العلماء السابقين ليس إلّا كدعوى أحدنا الإجماع في مسألة في زماننا هذا ، فلو اطّلعنا على أقوال جمهور العلماء المعروفين كالسيّد والشيخ والعلّامة والشهيدين وأضرابهم من كتبهم أو من كتب غيرهم ولم نر مخالفا لهم في المسألة في الكتب التي بأيدينا ندّعي الإجماع في المسألة ، وهكذا كان حالهم قطعا بل أسوأ من ذلك لأنّ الكتب المشتملة على جميع الفتاوى في زماننا أكثر وأسهل وصولا من الأزمنة السابقة البتّة كما لا يخفى.
٢٩٩ ـ قوله : الثاني إن يراد إجماع الكلّ ويستفيد ذلك من اتّفاق المعروفين من أهل عصره. (ص ٨٩)