الثاني : أن يقال : يمكن قلب الكلام على المصنّف بإخراج ما عدا ظواهر الآيات الناهية عن عموم دليل الحجّية وإبقاء الآيات الناهية تحت العموم بتقريب التقرير الذي يقدّم استصحاب المانع على الاستصحاب الممنوع ، والظن المانع على الظن الممنوع ، على ما هو مقرّر في محلّه من جهة حكومة الاستصحاب المانع والظن المانع بلسانهما على الممنوع منهما ، فيبقى المانع تحت عموم الدليل المستلزم بخروج الممنوع عنه.
وهكذا نقول فيما نحن فيه : إنّ ظواهر الآيات الناهية لأنّها بلسانها نافية لحجّية سائر الظواهر حاكمة عليها ، فتبقى هي تحت دليل حجّية الظواهر ، ويستلزم خروج سائر الظواهر عن عموم الدليل ،
ولكنّ الإنصاف هذا الوجه غير وارد ، لأنّ الآيات الناهية كما أنّها مانعة عن حجّية غيرها من الظواهر كذلك مانعة عن حجّية نفسها أيضا بلسان واحد ، فباعتبار أنّها مانعة عن نفسها يلزم من اعتبارها عدم اعتبارها فلا تبقى حجّة حتّى تكون حاكمة على غيرها من سائر الظواهر هذا.
ولهذا الإشكال نظائر في الفقه قد أشكل على أقوام.
منها أنّه لو تعيّن صوم يوم بعينه بحيث لم يجز تفويته بوجه اختياري وأراد المكلّف أن يسافر في ذلك اليوم فيقال : السفر حرام ، لأنّه مفوّت للصوم ، ولو حرم لزم من حرمته صحّة صوم المكلّف في السفر ، لأنّه عاص بسفره وحكمه إتمام الصلاة والصوم ، فيلزم منه إباحة السفر ، لأنّه غير مفوّت ، ولو ابيح السفر لا يجوز الصوم فيه ، فيلزم منه التفويت المحرّم ، فيحرم وهكذا يلزم من فرض حرمة السفر إباحته ومن إباحته حرمته دائما.
ومنها إرادة السفر بعد ما نودي للصلاة من يوم الجمعة ، فيلزم من حرمة السفر لتفويته الجمعة إباحته بإقامة الجمعة فى السفر ومن إباحته لعدم صحّة الجمعة فى السفر المباح حرمته لتفويته الجمعة وهكذا.