تخصيص زائد على التخصيص المعلوم ، لأنّ مورد التخصيص ، الأفراد دون الأزمنة ، بخلاف القسم الأوّل ، بل لو لم يكن هناك استصحاب لم يرجع إلى العموم ، بل إلى الاصول الأخر ، ومن هذا التحقيق يظهر أنّ مختاره فيما نحن فيه الرجوع إلى العموم ، لأنّ قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) يستفاد منه عموم الأزمان بناء على كون كلمة أنّى للزمان دون المكان ، ولو جعل كلمة أنّى للمكان أو أغمض عن دلالة الآية ونظر إلى سائر المطلقات في حلّية الاستمتاع عن الزوجة يكون الأمر بالعكس ويصير المقام موردا للاستصحاب دون العموم ، وفيما حقّقه رحمهالله مواقع نظر :
أحدها : أنّا لا نجد فرقا بين ما لو اخذ عموم الأزمان أفراديّا أو استمراريّا بعد فرض كونه مدلولا لما دلّ عليه وكون الخطاب ناظرا إليه بدلالة معتبرة على ما مثّله رحمهالله ، ففي الصورتين لمّا اخرج فرد باعتبار بعض الأزمان بقي ذلك الفرد باعتبار بقية الأزمنة داخلا في الخطاب ، وخروج ذلك الفرد بعينه في زمان آخر تخصيص آخر لعموم الزمان ، وإن لم يكن تخصيصا لعموم الأفراد ، ويونسك بذلك أنّه لو قال : أكرم العلماء في كلّ زمان أو دائما إلّا يوم الجمعة ، فإنّه لا شكّ في وجوب إكرام جميع العلماء فيما بعد يوم الجمعة ، ولا يمكن أن يقال إن أصل الحكم ينقطع بمجيء يوم الجمعة في الصورة الثانية ، وكذا لو قيل : أكرم العلماء في كلّ زمان أو دائما إلّا الصرفيّين يحكم بخروج الصرفيّين في جميع الأزمنة في كلا الصورتين سواء ، نعم بينهما فرق من جهة أخذ أجزاء الزمان قطعا ممتازة منفصلة في ظرف اللحاظ في الصورة الأولى ، وأخذها متّصلة ممتدّة في اللحاظ في الصورة الثانية ، وهذا المقدار من الفرق لا يثمر فيما نحن بصدده من كثرة التخصيص وقلّته كما لا يخفى.
وثانيها : سلّمنا الفرق المذكور بالنسبة إلى عموم الزمان ، لكن لا نسلّم عدم جريان
__________________
(١) البقرة : ٢٢٣.