الأصل الّذي قرّرنا ، فإنّ في شموله لحال الانسداد كلاما تقدّم في الحاشية السابقة.
أقول : ولي فيه تأمّل ، لأنّه لو تمّ مقدمات الانسداد تثبت حجّية الظنّ مطلقا ، فهو وارد على الآيات الناهية أيضا كوروده على الأصل العقلي ، إذ لو لم يعمل بالظنّ حينئذ وجب العمل بمجرّد الاحتمال ، وهو في قوّة العمل بالأصل ، يلزم منه الخروج من الدين ، بل هو أفحش من العمل بالأصل ، لأنّه عمل بالحجّة بوجه ، بخلاف العمل بالاحتمال.
وأيضا يثمر على القول بأنّ الأصل إباحة العمل بالظنّ كما نسب إلى المحقّق الكاظمي (١) وعلى القول بعدم لزوم دفع الضرر الموهوم فتأمّل.
وأمّا التكلّم في دلالة الآيات والأخبار الناهية ومقدار دلالتها أو العدم فله محلّ آخر سيأتي من المصنّف قدسسره في مبحث التكلّم في حجيّة خبر الواحد.
نعم بقي هنا شيء ربما يناسب المقام ، وهو أنّ مفاد الأدلّة الناهية هل هو عدم الركون إلى الظنّ إذ لم يدلّ على حجّيته دليل شرعى كما هو مفاد الأصل الذي قرّرنا بتقريب أنّها دالّة على عدم جواز الاعتماد على ما لا يفيد العلم ، ولا ينتهي أيضا إلى العلم ، لأنّ العمل بما ينتهي إلى العلم عمل بالعلم بالأخرة ، أو عدم جواز الركون إلى الظنّ مطلقا ، فإن كان الأوّل فلا يترتّب عليه الثمرات المتقدّمة ، بخلاف الثاني ، فإنّه محلّ الثمرات ، والحقّ أن مفاد الآيات مختلفة فمنها ما يدلّ على الوجه الأوّل مثل قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)(٢) وقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٣) وقوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٤) وقوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)(٥) ومنها ما يدلّ على الثاني مثل قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ
__________________
(١) السيد محسن الأعرجى
(٢) الانعام : ١١٦
(٣) الاسراء : ٣٦
(٤) البقرة : ١٦٩
(٥) البقرة : ٧٨