وإلّا فإن قلنا بأنّ الأصل في مقام دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو البراءة المقتضي للتخيير بين العمل بالظنّ والعمل بالقطع ، فهذا الأصل وارد على الأصل المقابل ، لأنّ هذا الأصل قد أثبت حجّية الظنّ ، وعلى تقدير حجيّته دليل وارد على الأصل المقابل كالقطع.
لا يقال : إنّ أصل البراءة لا يقدّم على العموم أو الاستصحاب على ما تقرّر في محلّه ، بل الأمر بالعكس ، لأنّا نقول هذا إذا لم يكن الشكّ في العموم أو بقاء المستصحب ناشئا عن الشكّ في مجرى أصل البراءة والشكّ في ما نحن فيه في العموم المقابل أو بقاء المستصحب ناشئ عن الشكّ في حجّية الظنّ المفروض ، فلو جرى أصالة البراءة في الشكّ السببي وثبتت حجّية الظن به يرتفع الشكّ في المسبّب ولا يبقى مورد لجريان أصل العموم أو الاستصحاب ألا ترى أنّ من صلّى بلا سورة مثلا مع الشكّ في جزئيّتها يحكم بصحّة الصلاة المذكورة وحصول فراغ الذمّة على القول بالبراءة في الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة ، ولا يعارض أصل البراءة باستصحاب اشتغال الذمّة بالصلاة في أوّل الوقت ، والسرّ فيه ما ذكر من أنّ الشكّ في الفراغ وعدمه ناشئ عن الشكّ في الجزئيّة ، وبعد جريان أصالة البراءة في السبب يرتفع الشكّ عن المسبّب ، ولا يبقى مجرى لاستصحاب الاشتغال ، فالصواب ما ذكره القائل من التمسّك بأصل الاشتغال لمطلوبه لا التمسّك بلزوم طرح الحجّية.
هذا كلّه على تقدير الإغماض عما ذكرنا على الأصل المذكور من الوجهين في الحاشية السابقة كما لا يخفى.
٢١٤ ـ قوله : لقائل أن يمنع أصالة حرمة العمل بالظنّ مطلقا لا على وجه الالتزام ولا على غيره. (ص ٥٢)
أقول : قد يورد عليه بأنّ المنع عن حرمة العمل على وجه الالتزام لا وجه له ، لأنّه تشريع محرّم سواء كان مع تيسّر العلم أو مع عدمه.