بتقدّم الاستصحاب على القاعدة ، إمّا بناء على ما اختاره المصنّف في تعارض الاستصحاب مع سائر الاصول من أنّه حاكم عليها ، وأنّ نسبة الاستصحاب إلى سائر الاصول كنسبة الأدلّة إلى الاصول ، وإن كان في حكم الأصل بالنسبة إلى الأدلّة ، فإنّ له منزلة بين المنزلتين ، وإمّا لأنّ موضوع القاعدة مقيّد بعدم ورود حكم من الشارع لمورد الشكّ لا ظاهرا ولا واقعا وهو كذلك ، لأنّ العقل لا يحكم بعدم الحجّية إلّا بعد إحراز أنّه لم يصل من الشرع حكم الحجّية ولا عدمها ، ولو علم أنّه في السابق لم يكن حجّة في الشرع ثمّ علم ممّا ورد في الشرع وجوب إبقاء ما كان لا يحكم بعدم الحجّية قطعا بل يحكم بوجوب متابعة الشرع ، والحاصل أنّ موضوع حكم العقل المتحيّر من جهة حكم الشرع ، ومن يجري في حقّه الأصل ليس بمتحيّر من قبل الشرع.
وظهر من هذا البيان أنّ الأصل في المسألة تحقيقا هو استصحاب عدم الحجّية ، وما تقدّم في الحاشية السابقة من تقرير الأصل مبنيّا على حكم العقل مبنيّ على الإغماض عن جريان الاستصحاب أو تقدير عدمه.
٢٠٥ ـ قوله : وهذا نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ ... (ص ٥٠)
أقول : إن اريد بالتنظير أنّ قاعدة الاشتغال كافية في الحكم بوجوب اليقين بالفراغ ولا يحتاج إلى استصحاب هذا الاشتغال لأنّ القاعدة بنفسها جارية في الزمن الثاني كجريانه في الزمن الأوّل بعينه ، فحكم الزمن الثاني معلوم بالدليل لا بالأصل ، فهذا حقّ إلّا أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لأنّ عدم الحجّية المستصحبة لم يثبت بهذا الحكم العقلي الذي نتكلّم عليه ، بل بالعلم بأنّ جميع الحوادث مسبوق بالعدم ، وإن أراد أن قاعدة الاشتغال مقدّم على استصحاب الاشتغال لأنّ موضوعها مجرّد الشك بالتقريب السابق ، ففيه ما مرّ من منع التقدّم ، إن لم يكن الأمر بالعكس ، ولعلّه إلى ذلك أشار بقوله : فافهم.