وكيف كان فإن كان المراد هو المعنى الأوّل كما فهمه الماتن فما ذكره المصنّف حقّ لما ذكره من الأدلّة الأربعة ، لكن على أن يكون موضوع حكم الحرمة ما اختاره من التعبّد بالمعنى الأوّل المساوق للتشريع كما ذكرنا آنفا ، وإن كان المعنى الثاني كما هو الحقّ ، فالأصل فيه أيضا الحرمة ، لأنّ العقل يحكم بحكم مستقلّ بأنّ العمل بما لا يؤمن كونه خطاء مخالفا للواقع ليس قاطعا للعذر ، ولا يكتفى به في امتثال التكاليف الواقعيّة المعلومة ، حتّى لو عوقب على مخالفة الواقع لو عمل به وأخطاء فلا يلومنّ إلّا نفسه ، ولعل هذا المعنى مدلول قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١) فتكون الآية أيضا دليلا على المطلب وإرشادا إلى حكم العقل.
٢٠٣ ـ قوله : منها أنّ الأصل عدم الحجّية وعدم وقوع التعبّد به وعدم إيجاب العمل به. (ص ٥٠)
أقول : توضيحه أنّ الحجّية ووقوع التعبّد وإيجاب العمل بالظنّ حادث مسبوق بالعدم الأزلي فيستصحب العدم ، لكن يحتاج في إثبات المطلوب به إلى أن يكون الحجّية ثابتة بحكم العقل ، وهو كذلك لأنّ الطريق العقلي والحجّية العقليّة منحصر في القطع ، وحينئذ يقال في تقريره : إنّ الظنّ ليس بحجّة عقليّة قطعا ، والأصل عدم كونه حجّة شرعيّة أيضا ، أو يقال : إنّ الأصل عدم كون الظنّ حجّة شرعيّة بجعل الشارع أو إمضائه بحكم العقل والأقرب هو الوجه الأوّل وهو مما لا غبار عليه وسيأتي رفع ما أورد عليه المصنّف.
٢٠٤ ـ قوله : وفيه أنّ الأصل وإن كان ذلك إلّا أنّه لا يترتّب على مقتضاه شيء. (ص ٥٠)
__________________
(١) يونس : ٣٦