خصوصا قوله في تقريب الاستدلال بالآية على حرمة التعبّد بالظن : «دلّ على أنّ ما ليس بإذن من الله من استناد الحكم إلى الشارع فهو افتراء» ومن الواضح أنّه ليس محلّا للبحث في المقام ، كيف وأنّه راجع إلى التشريع ، بل عينه ، وهل يعقل أن يكون النزاع في المقام في أنّ الأصل هل هو حرمة التشريع أو جوازه ، وكيف كان فإن كان المراد هو المعنى الأوّل فلا ريب أنّ الأصل حرمة التعبّد ، وإن كان المعنى الثاني فالأصل جوازه إلّا إذا خالف أصلا معتبرا من الاصول الشرعيّة والمعنى الثالث هو محلّ النزاع وسيأتي ما يوضح ذلك أيضا.
ثمّ حرمة التعبّد بالظنّ يحتمل معنيين :
أحدهما : الحرمة الذاتيّة في مقابل الإباحة وغيرها من الأحكام حتّى لو عمل بالظنّ واتّفق مصادفته للواقع فقد فعل الحرام فضلا عن صورة المخالفة.
الثاني : الحرمة الغيريّة التي تساوق عدم الحجّية ، ولازم ذلك أنّه لو عمل بالظنّ واتّفق مخالفته للواقع لم يكن معذورا ويسند إليه أنّه فعل المحرّم الفعلي في حقّه ، وأمّا إذا اتّفق مصادفته للواقع لم يفعل محرّما.
والحقّ أنّ الذي يناسب البحث في المقام هو المعنى الثاني فيقال : هل الأصل حرمة العمل بالظنّ يعني عدم جواز الاعتماد عليه فيعاقب على مخالفته الواقع لو اتّفق كالرؤيا ونحوه ، أو جواز العمل به والاكتفاء به كالقطع فلا يضرّه التخلّف عن الواقع أحيانا ، ويدلّ على ما ذكرنا أنّ البحث في المقام في قيام الظنّ في مقام القطع في الحجّية ولزوم المتابعة ، ولا ريب أنّ وجوب متابعة القطع وحرمة مخالفته أيضا بهذا المعنى ، ويظهر من المصنّف أنّه جعل البحث في المعنى الأوّل كما لا يخفى على من راجع كلامه ، خصوصا استدلاله على أصالة الحرمة بقوله (عليهالسلام) في عداد القضاة من أهل النار : «ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم» (١).
__________________
(١) الوسائل : ١٨ / ١١