[وقوع التعبّد بالظنّ في الأحكام الشرعيّة]
٢٠٢ ـ قوله : فنقول : التعبّد بالظنّ الذي لم يدلّ دليل على وقوع التعبّد به محرّم بالأدلّة الأربعة. (ص ٤٩)
أقول : لا بدّ أوّلا من بيان المراد من التعبّد بالظنّ ، وبيان المراد من التحريم المسند إليه ليتّضح مراد المتن ، وما يرد عليه ، وتميز الصحيح من وجوه تقرير الأصل عن غيره ، فنقول : التعبّد بالظنّ يحتمل وجوها ثلاثة :
الأوّل : أن يسند المظنون إلى الشارع كما يسند المقطوع إليه فيقول إنّ الشارع أوجب كذا وحرّم كذا وأباح كذا ممّا ظنّ أنه كذلك عند الشارع ، ثمّ يعمل عليه بانيا على أنّ الحكم كذلك واقعا كما لو قطع بالحكم.
الثاني : أن يتعبّد بمتابعة الظنّ برجاء إدراك الواقع الذي يرجع إلى الاحتياط الغير التامّ كما ربما يتعبّد بمجرّد الاحتمال برجاء إدراك الواقع ، لكن لمّا كان الظنّ أقرب إلى الواقع كان رجاء إدراكه أيضا أشدّ ، فلذا يعتمد عليه دون الاحتمال المرجوح.
الثالث : أن يتعبّد بالظنّ ، بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وعدم الاعتناء به ، كما هو كذلك عند أهل العرف في أفعالهم ومعاملاتهم وتجاراتهم ، فإنّ عملهم بالظنّ لأجل أنّهم لا يعتنون باحتمال الخلاف ولا يبالون بتخلّف ظنّهم عن الواقع.
والحقّ والتحقيق أنّ الذي يناسب البحث عنه في المقام هو المعنى الثالث ، ويدلّ عليه أن حجّية الظنّ الذي تثبت بالدليل عندنا في خبر الواحد أو غيره بهذا المعنى قطعا ، فينبغي أن يقال : هل الأصل في غير ما تثبت حجّيته من الظنون حرمة العمل حتّى يقال بعدم الحجّية بالمعنى المذكور ، أو جوازه حتّى يحكم بالحجّية بالمعنى المذكور ، ويظهر من المصنّف المعنى الأوّل كما لا يخفى على من راجع كلامه ،