الثاني وهو خلاف الظاهر ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الاستدلال بالخبر على مذاق من يجعله من أدلة البراءة الأصليّة ، ومنهم المصنّف ، فإن كان مناقشة فمحلّه هناك فتأمل جيّدا.
قال في الفصول في بيان الجواب عن هذه الرواية ما لفظه : وكذلك إباحة الأشياء عند عدم بلوغ النهي لا يفيد إباحتها عند عدم بلوغه ، بل مفهومها انتفائها عنده ـ انتهى (١) ـ لعلّه يريد بذلك أن الإباحة عند عدم بلوغ النهي لا يدلّ على عدم التكليف بالنهي مشروطا بالعلم ، حتّى ينافي ثبوت الحكم الواقعي وهو الحكم المشروط بالعلم على ما ذكره مرارا ، وفيه ما لا يخفى.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا مجال للاستدلال على المطلوب بالبراءة العقليّة أعني حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لأنّ مجرّد رفع العقاب لا يستلزم نفي حكم ولا إثبات حكم ، ولذا لم يذكره صاحب الفصول في عداد ما ذكره.
ومنها التكليف أمر جعلي وفعل اختياري يتوقّف صدوره عن المكلّف الحكيم على فائدة ، وحيث إنّ المكلّف لا يعلم به لا فائدة في وضعه وإحداثه في حقّه ، لظهور أنّ ثمرة التكليف إنّما هي الاختيار والحثّ على فعل الجميل وترك القبيح ، ولا يتصوّر ترتّب شيء من ذلك على تقدير عدم العلم.
ومنها أنّ التكليف عند العدليّة مشروط بالقدرة على الامتثال ، وحيث لا علم لا قدرة على الامتثال فينتفي التكليف ، لأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه.
ومنها أنّ الأمر بالشيء المشروط مع علم الآمر والمأمور بانتفاء شرطه ممتنع عند معظم الاصوليّين والمقام منه إذ التقدير علم الآمر بعدم علم المأمور به ، وعلم المأمور بعدم علمه بما خالف مؤدّى نظره على تقدير ثبوته واقعا.
ثمّ أجاب صاحب الفصول عن الوجوه الثلاثة العقليّة على مذاقه في معنى الحكم
__________________
(١) الفصول : ٤٠٨