فهو موضوع عنه من حيث العقاب عليه لا مطلقا ، وإلّا فلا معنى لرفع حكم العالم عن الجاهل ، فإنّه مرتفع بعدم موضوعه.
وقد أجاب عنها في الفصول بأنّ التكليف الواقعي ليس تكليفا فعليّا بل تكليف شأني فتسميته تكليفا مجاز في الحقيقة ، والتكليف المنفي عن الجاهل هو التكليف الفعلي لا الشأني ، لأنّه تكليف حقيقة ، واللفظ يحمل على حقيقته عند عدم قرينة المجاز ، قال : وبالجملة فالتكليف الواقعي عندنا هو التكليف الذي يتعلّق بالمكلّف تعلّقا فعليّا بشرط علمه به ، وليس في هذه الوجوه ما يدلّ على نفي ذلك ـ انتهى (١) ـ
وفيه أنّ هذا المعنى عين التصويب كما سيأتي من المصنّف في القسم الثاني من أقسام الموضوعيّة فهذا كرّ على ما فرّ منه ، بل التحقيق أنّ الأحكام الواقعيّة أحكام فعليّة وتكاليف حقيقيّة وإن كانت غير منجّزة بمعنى عدم ثبوت العقاب على مخالفتها وكون المكلّف معذورا بالنسبة إليها ، ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله. نعم لو كان المراد بالحكم الواقعي شأنية الحكم كما زعمه تمّ الجواب.
ويرد على أصل الاستدلال بأخبار البراءة أنّ مدلول الكلّ رفع الأحكام الواقعيّة الثابتة للعالم عن الجاهل بها ، ولا يثبت بذلك مدّعى الخصم من كون ما ظنّه المجتهد حكما واقعيّا له على ما يقوله أهل التصويب من أنّ حكم الله تابع لآراء المجتهدين ، فإنّ ذلك يحتاج إلى مئونة زائدة كما لا يخفى ، نعم قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(٢) يمكن أن يستفاد منه النفي والإثبات معا ، فإنّ ما ظنّه المجتهد ممّا آتيها فهو مكلّف به ، وايضا قوله : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» لا يرتبط بما نحن فيه على التحقيق ، لأنّ معناه كلّ شيء لم يرد من الشرع فيه حكم فهو مطلق لا حكم له حتّى يرد فيه نهي ، اي حكم ، والنهي كناية عن مطلق الحكم ، وليس معناه أنّ كلّ شيء لم يصل إلينا فيه حكم فهو مطلق حتّى يصل فيه حكم ، والاستدلال ناظر إلى المعنى
__________________
(١) الفصول : ٤٠٨
(٢) الطلاق : ٧