الثالث : أنّه لو أخطأ المجتهد لزمه العمل بمقتضى ظنّه ، وحينئذ فإمّا أن يلزمه ذلك مع بقاء الحكم الواقعي في حقّه ، فيلزم التكليف بالمحال أو اجتماع الضدّين ، وكلاهما محال ، أو بدونه فيلزم أن يكون العمل بالحكم بالخطاء واجبا وبالصواب حراما وهو محال.
والجواب بعد النقض بالأحكام التي عليها دليل قاطع ، أنّ بقاء الحكم الواقعي مع لزوم العمل بمقتضى ظنّه لا يلزمه منه سوى مخالفة الحكم الواقعي ، وقد مرّ مفصّلا جواز ذلك في جواب ابن قبة ، وليس ذلك من التناقض أو اجتماع الضدّين ، وإنّما يلزم ذلك على فرض التسليم لو كان الحكمان منجّزين.
وانتصر لهذا القول في الفصول بوجوه أخر ضعيفة ثمّ أجاب عنها ،
منها أخبار البراءة مثل «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (١) ، وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(٢) ، وقوله (صلىاللهعليهوآله) : «رفع عن امتي ما لا يعلمون» (٣) ، وقوله : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (٤) ، إلى غير ذلك ممّا استدل به للبراءة الأصليّة ، فإنّها تدلّ على أنّ الأحكام الثابتة للعالمين مرفوعة عن الجاهل.
وفيه أوّلا : أنّها معارضة بالأخبار الدالّة على اشتراك التكليف بين سائر المكلّفين ، مثل قوله (صلىاللهعليهوآله) : «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (٥) ، وقوله : حكم الأولين والآخرين سواء ، وغيرها ممّا أشرنا إليه في دليل المختار ، ومقتضى الجمع بين الطائفتين أن يحمل الأولة على رفع التنجّز بالنسبة إلى الحكم الواقعي وثبوت الحكم الظاهري المنجّز.
وثانيا : انّ الظاهر من سياقها أنّ للجاهل أيضا حكم ثابت في الواقع وقد جهل به ،
__________________
(١) التوحيد : ٤١٣
(٢) الطلاق : ٧
(٣) التوحيد : ٣٥٣
(٤) الفقيه : ١ / ٣١٧
(٥) عوالى اللئالي : ٢ / ٩٨ و ١ / ٤٥٦