ثمّ اعلم أنّه على القول بتنجّز التكليف بسبب العلم الإجمالى ووجوب الاحتياط يختصّ بالشبهة المحصورة لا غير المحصورة ، فإنّها خارجة عن قاعدة الاحتياط ، ويجوز المخالفة القطعيّة فيها خلافا لمن قال بوجوب إبقاء مقدار الحرام كما يظهر من بعض عبارات المصنّف ، ويظهر من بعضها الآخر تقييده جواز المخالفة بما إذا لم يقصد ارتكاب جميع الأطراف من أوّل الأمر ، والأقوى عدم الفرق وجواز المخالفة القطعيّة مطلقا.
لا لما قيل من أنّ ثبوت التكليف حينئذ موجب للعسر وهو منفيّ.
ولا لما قيل من أنّه وجه للجمع بين أخبار البراءة والاحتياط.
ولا لما قيل من استفادة جواز المخالفة من بعض الأخبار الخاصّة كرواية الجبن. (١)
ولا لما قال به المصنّف من خروج جملة من الأطراف عن محلّ الابتلاء.
بل لأنّ المشتبه بالشبهة الغير المحصورة بحكم الشبهة البدويّة في نظر العقلاء ، فإنّهم يجعلون هذا العلم الإجمالي في مرتبة الجهل المطلق فلا يحكم العقل أوّلا مع قطع النظر عن أدلّة البراءة بوجوب الاحتياط ، ألا ترى أنّه لو علم بوجود سمّ في أحد أواني هذا البلد وهو مشتبه في الكلّ لم يحترز أحد من عقلاء البلد عن الأول التي يريد استعمالها مع كونها من أطراف الشبهة ، بل نقول المعلوم بالإجمال في الشبهة الغير المحصورة محكوم بحكم أطرافه وإن كان الأصل فيها موافقا للمعلوم ، مثلا لو اشتبه ميتة بين ألف مذكّى فمعنى عدم اعتبار العلم الإجمالي بوجود الميتة [أنّ الميتة] بمنزلة المذكّى محكوم بالحلّية فيحكم في الجميع بالحلّيّة لا أنه بعد طرح العلم يرجع إلى الأصل والأصل عدم التذكية في الجميع وهو موافق لحكم الميتة. وهذا بخلاف الشبهة المحصورة فإنّه بعد طرح العلم الإجمالي يحكم بحكم الأصل الموجود في المسألة إباحة أو تحريما ، والسّر في ذلك ما ذكرنا من أنّ العلم الإجمالي في الشبهة الغير المحصورة كلا علم فى نظر العقل والعقلاء ، ومع قطع [النظر] عن العلم بوجود الميتة في الأطراف فهي معلوم التذكية فالميتة الموجودة في البين أيضا حكمها حكم
__________________
(١) الوسائل : ١٦ / ٤٩٥.