الخمر المردّد عندنا وهو معيّن في الواقع وليس المتعلّق كلّا من الإنائين ، فلا يمكن أن يقال كلّ منهما خمر بالعلم الإجمالي كما يمكن في الواجب المخيّر أن يقال كلّ منهما واجب بالوجوب التخييري ، بل ما نحن فيه نظير الواجب التخييري على قول من يقول بأنّ الواجب هو ما يختاره المكلّف واقعا أو واحد معيّن عند الله فلا يتّصف تمام الأفراد بالوجوب واقعا. والحاصل أنّا نمنع كون تحقّق العلم نفسه على نحوين وكيفيّتين ، بل تقسيم العلم إلى الإجمالي والتفصيلي باعتبار المتعلّق ، فإن كان مشخّصا يسمّى تفصيليّا وإن كان مردّدا يسمّى إجماليّا ، وليس لنا في العلم الإجمالي معلومان يترتّب على كلّ منهما أثر العلم.
وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان مثل هذا العلم الإجمالي سببا لدخول المشتبه في حكم الغاية لا المغيّى لزم عدم إجراء البراءة في الشبهة البدويّة الموضوعيّة ، وينحصر مورد أخبار البراءة في الشبهة الحكميّة بجريان نظير ما نحن فيه هناك أيضا ، مثلا لو شكّ في كون هذا المائع خمرا فيقال : نعلم أنّ الخمر حرام ويحتمل انطباقه على هذا المائع كما يقال في ما نحن فيه : نعلم أن أحدهما حرام ويحتمل كونه هذا أو ذاك.
أقول : اللهمّ إلّا أن يقال إنّ في ما نحن فيه نعلم الموضوع أيضا إجمالا وفي الشبهة البدويّة لا نعلم الموضوع أصلا وبهذا الفرق يندفع النقض.
وأمّا ثالثا : فلأنّ المصنّف في آخر رسالة الاستصحاب في تعارض الاستصحابين بسبب العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع قد فرّق بين ما لو كان العلم الإجمالي مثبتا للتكليف الإلزامي فحكم بتساقط الأصلين وبين ما لم يكن مثبتا للتكليف أو كان أحد طرفيه خارجا عن محلّ الابتلاء فلا مانع من إجراء الأصل وحينئذ نقول : لو كان المعلوم بالإجمال داخلا في الغاية خارجا عن حكم المغيّى لا يفرق فيه بين الأقسام الثلاثة إذ هي مشتركة في حصول العلم الإجمالي الذي جعلته غاية ، بل يشمل العلم الإجمالي بالنسبة إلى المكلّف المتعدد كما في واجدي المني أيضا ، فيلزم أن لا يحكم بالأصل في شيء منها.