فقد تحقّق ممّا ذكرنا جواز المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال بمقتضى الخبرين ، بل بمقتضى إطلاق جميع أخبار البراءة.
وقد يتمسّك لعدم الجواز بوجوه ضعيفة :
منها دعوى انصراف اخبار البراءة بغير صورة العلم الإجمالي بوجود الحكم المخالف. وفيه منع الانصراف وأنّه لا وجه له.
ومنها أنّ ارتكاب جميع أطراف المعلوم بالإجمال موجب للعلم بارتكاب الحرام ، وهو حرام فلا بدّ من إبقاء بعض الأطراف حذرا من حصول العلم المحرّم.
وفيه أنّه لا دليل على حرمة تحصيل العلم بارتكاب الحرام ، ولو كان ذلك حراما لزم حرمة الفحص والتفتيش عمّا فعله المكلّف غفلة أو سهوا أو معتمّدا على الأصل المعتبر ، فيعلم أنّ ما ارتكبه كان حراما.
ومنها أنّ المستفاد من مجموع أخبار البراءة أنّ المشتبه المجهول حكمه الحلّ وأنّ المعلوم الحكم أيضا يجب اتّباعه فإذا كان هناك معلوم وغير معلوم ، فيجب مراعاتهما بالحكم بالحليّة في بعض وعدمها في بعض آخر مراعاة لهما.
وفيه ما مرّ من أنّ مفاد الأخبار غير ذلك ، وأنّه يحكم بالحلّية حتّى يعلم الحرمة بالعلم التفصيلي بأحد الوجوه السابقة.
ومنها أنّ المشتبهين بالشبهة المحصورة وإن كانا داخلين في أخبار البراءة باعتبار أنّهما داخلان [في حكم المغيّى إلّا أنهما داخلان] في حكم الغاية حتّى الحكم بالحرمة بالغاية باعتبار آخر ، بيانه : أنّ هناك هذا الإناء بشرط الانفراد ، وذاك الإناء بشرط الانفراد وهذا الإناء بشرط الانضمام إلى الآخر وذاك الإناء بشرط الانضمام إلى الأوّل ، ولا ريب أنّ الإناء بشرط الانفراد غيره بشرط الانضمام ، وحينئذ نقول : يدلّ خبر «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» على حلّية كلّ من الإناءين بشرط الانفراد وعلى حرمة كلّ من الإناءين بشرط الانضمام إلى الآخر ، لأنّه بهذا القيد معلوم الحرمة ، فمقتضى الجمع بين حكمي الحلّية والحرمة الكذائيّة أن