وقد ظهر ممّا ذكرنا أن الاستدلال بالخبر على حلّية كلا المشتبهين يتمّ لو لم يكن لفظة «بعينه» مذكورة في الخبر أو كانت ولم تفد سوى التأكيد على ما زعمه المصنّف كما مرّ.
وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكر من أنّ قوله «بعينه» تأكيد للضمير جيء به للاهتمام ـ إلى آخره ـ أحد الاحتمالات ، وثانيهما أن تكون تأكيدا للضمير ، ولكن باعتبار العلم (١).
وثالثها : أن تكون ظرفا لغوا متعلّقا بالعلم وتكون قيدا للعلم.
وعلى كلا الاحتمالين الأخيرين يكون الغاية معرفة الحرام بعينه وشخصه ، وأظهر الاحتمالات هو الاحتمال الثاني ثمّ الثالث.
وكيف كان يتمّ دلالة الخبر على البراءة حتى في مورد العلم الإجمالي بالحرام.
فإن قلت : نمنع شموله لمورد العلم الإجمالي بتقريب آخر ، وهو أن يقال إنّ للعلم نحوين من التحقّق فإنّه قد يتحقّق تفصيلا ويقال لمتعلّقه المعلوم مطلقا وقد يتحقّق إجمالا ويقال لمتعلّقه أنّه معلوم وأنّه مجهول ، أمّا أنّه معلوم فبالإجمال وأمّا أنّه مجهول فبالتفصيل ، نظير الواجب التخييري على القول المشهور ، فإنّ كلّا من أفراد الواجب المخيّر واجب يعنى تخييرا ، جائز الترك يعني معيّنا فكما أنّ جواز ترك كلّ من الأفراد معيّنا لا ينافي كونه واجبا أيضا ، كذلك [كون] كلّ واحد من الأطراف مجهول الحرمة [لا ينافي كونه معلوم الحرمة] بنحو الإجمال فقد صدق على كلّ الأطراف أنّه معلوم الحرمة ، وحينئذ يدخل في حكم الغاية ويخرج عن موضوع حكم المغيّى أي الحكم بالحلّية.
قلت : فيه نظر.
أمّا أوّلا : فلأنّه قد تقدّم أنّ المراد من العلم الإجمالي ما كان متعلّقه مردّدا عند العالم وهو معيّن في الواقع ، مثلا لو علمنا بأنّ أحد الإنائين خمر فمتعلّق العلم هو
__________________
(١) في الأصل : باعتبار تعلم العلم.