امر بغسل الثوب مثلا وفرض العلم بأنّ الغرض من هذا الأمر ليس إلّا حصول طهارة الثوب مقدّمة لحصول شرط الصلاة فلو علم بأنّه يحصل الطهارة من غير غسل المكلّف بسبب آخر اتّفاقا فإنّ العقل لا يحكم بوجوب الإطاعة والحال هذه ، لحصول الغرض بدونها ، ويمكن أن يكون دائرة المطلوب أضيق من دائرة الطلب كما لو فرض أنّ غرض الآمر لا يحصل إلّا بإتيان مركّب لا يمكنه أن يأمر بجميع أجزائه وشرائطه وقد أمر ببعض ما يحصل به الغرض وأدرك العقل بعضه الآخر. فإنّ العقل يحكم بوجوب تحصيل الغرض بإتيان مجموع المركّب بأجزائه وشرائطه ، وإن لم يتعلّق الطلب إلّا بالبعض الجامع بوجود البعض الآخر وعدمه.
إذا تمهّد ذلك فنقول : لا يمكن اعتبار قيد في الإطاعة لم يكن معتبرا في نفس المأمور به إذ لا يخلو إمّا أن يكون نفس إتيان المأمور به وافيا لغرض المولى أم لا ، فإن كان الأوّل فلا وجه لاعتبار أمر آخر كما لا يخفى ، وإن كان الثاني فإمّا أن يدلّ على ذلك حكم الشرع أو حكم العقل ، فإن كان الأوّل بأن دلّ الشرع على اعتبار شيء آخر في تحصيل الغرض ، فلا بدّ أن يكون ذلك الشيء أيضا معتبرا في المأمور به إذ لا فرق بينه وبين ما أمر به الشارع أوّلا في كون كلّ منهما دخيلا في سقوط الغرض ، غاية الأمر أنّ الشارع قد بيّن ما يحصل غرضه بدلالتين ، وإن دلّ الشرع بوجوب شيء سوى المأمور به الأوّلي مستقلا فلا ربط له في تحصيل ذلك الغرض ، بل له غرض آخر ، ومخالفة أحدهما لا يوجب مخالفة الآخر ، وإن كان الثاني بأن دلّ العقل على اعتبار قيد في تحصيل الغرض لم يبيّنه الشارع فيكون ذلك أيضا معتبرا في المأمور به إن لم يحكم بأنه واجب مستقلّ كما مرّ في القسم السابق بالنسبة إلى دلالة الشرع على ذلك ، وليس ذلك من باب اعتباره في عنوان الإطاعة التي هي عنوان ثانوي للمأمور به ، بل العنوان الأوّلي ، لما ذكرنا أنّ ذلك القيد في عرض سائر أجزاء المأمور به وشرائطه في دخله فيما يسقط به الغرض ، وحيثية عنوان الإطاعة الّتي يحكم به العقل في جميع الصور على نسق واحد ، فقد ثبت أنّ كلّ شيء يكون