أنّ المراد من إرشاديّة أوامر الإطاعة هو هذا المعنى.
وعليه يكون حرمة التجرّي شرعيّا مولويّا لا إرشاديّا إذ لا يكون هناك نهي آخر حتّى يكون النهي عن التجرّي وسيلة إلى موافقته بحيث يكون كالتكرار له.
ومن هذا القسم من الإرشاد النهي عن إلقاء النفس في التهلكة في قوله تعالى : (لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) إن اريد من التهلكة العقاب الاخروي المترتّب على مخالفة الأوامر والنواهي الشرعيّة ، فإنّه كالتأكيد لتلك الأوامر والنواهي كما لا يخفى ، وإن اريد من التهلكة المضارّ الدنيويّة فالنهي شرعيّ مولويّ بظاهره ، يستفاد منه التحريم الشرعي ، إلّا أن يراد منه إرشاده إلى أنّ إلقاء النفس في التهلكة يترتّب عليه المضرّة الموجودة به وهو خلاف الظاهر ، وإن اريد منه الأعمّ من المضارّ الاخرويّة والدنيويّة فبالنسبة إلى الأوّل إرشاد وبالنسبة إلى الثاني شرعيّ ، ولا يلزم استعمال اللفظ في معنيين ، إذ النهي حينئذ مستعمل في القدر المشترك ، وهو الإلزام بالترك الذي هو حقيقة معنى النهي.
فإن قلت : على هذا البيان يلزم أن يكون الأمر بإطاعة الوالدين والزوج والسيّد وأمثالها أيضا إرشاديّا ولم يقل به أحد.
قلت : إن كان الغرض من الأمر بإطاعة الوالدين أنّ ما يترتّب على مخالفتهما مترتّب عليها فلا تخالفهما لكي تتعرّض لعقوبتهما فلا ريب أنّ هذا الأمر إرشاديّ ، وإن كان الغرض أنّ إطاعة الوالدين محبوب للآمر مطلوب له كما هو ظاهر الأمر بحيث يصحّ للآمر عقابه على مخالفته أيضا كما يصحّ للوالدين ذلك مثلا بالفرض فهذا الأمر شرعيّ مولويّ ليس كالتأكيد لأمرهما كما هو واضح.
وممّا ذكرنا من أنّ أوامر الاحتياط يراد منها الحتم والإلزام ولو كان غيريّا يندفع ما قيل من أنّه لا يجوز الاقتداء بمن يصلّي احتياطا لاحتمال اشتغال ذمّته بالصلاة ،
__________________
(١) البقرة : ١٩٥.