الاستعمال ، غرابة بعد غرابة ، إذ صحة الاستعمال تدور مدار المناسبة بأي وجه حصلت ـ وبذلك يتضح ان إطلاق المجاز على هذه الاستعمالات ليس على وزان سائر المجازات على كلا القولين في تحقيق المجاز ، إذ لا ادعاء ولا تأول هنا ولا اختلاف بين الإرادتين بل المناسبة بين اللفظ ونوعه ومثله وصنفه أوجب إحضار المستعمل فيه ، كما انه لو كان المدار في المجاز هو المناسبات والعلائق الذوقية الطبيعية كما هو آخر الرّأي بين مشاهير القوم لا يكون المقام من المجاز المشهور الدائر الرائج بينهم ، لأن العلاقة هنا هي المناسبة الصورية وهي مع وجودها غير منظورة للمستعمل قطعا بل لا تخطر بباله قط.
الأمر السادس التحقيق ان الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية تعلقت بها الإرادة أولا ، ولا دخل لها فيها لا شطرا ولا شرطا ، ويتضح حالها ببيان امرين :
(الأول) ما أسمعناك في صدر الكتاب من ان حقيقة الوضع ليس إلّا تعيين اللفظ في مقابل المعنى من دون حصول علاقة تكوينية ـ وما ربما يقال من التعهد والالتزام في تفسيره ، فهو تفسير له بالآثار والنتائج وقد تقدم الكلام فيه ـ فبطل ما يؤيد به القول الشاذ المخالف للتحقيق من ان الوضع في الألفاظ وضع حيثي ، بمعنى انه لا يجعل اللفظ في مقابل المعنى إلّا بحيث لو أطلقه الواضع أو غيره لكان مريدا لمعناه ، وذلك لما ترى من بنائه على القول المردود في باب الوضع من حديث التعهد والالتزام في تفسير معنى الوضع.
«الثاني» قد قام البرهان في محله على ان الأفعال الصادرة من ذوي العقول والشعور معللة بأغراض وغايات حتى فيما يراه العرف عبثا ولغوا ، كيف والعلة الغائية واقعة في سلسلة العلل وتعد علة لفاعلية الفاعل وان كانت تتأخر بوجودها العيني لكنها مؤثرة في تحريك الفاعل بوجودها الذهني و (ح) فالمعلول بما انه رشحة من رشحات العلة ، أو مظهر ناقص لها ، ولا استقلال له الا مما اكتسبه من جانب علته فهو لا محالة يتضيق بضيقها ولا يمكن له ان يكون أوسع منها ، لكن لا على نحو التقييد بل تضيقا ذاتيا تابعا لاستعداده ، فاذن يقع الكلام في ان الغاية لفعل الواضع التي هي إظهار المرادات وإعلان المقاصد ، هل توجب تضيقا في المعنى الموضوع له ليكون الوضع للمعنى المراد ، من جهة ان الوضع لذات المعنى على إطلاقه بعد كون الداعي منحصرا في إفادة المراد لغو ، أولا توجب ذلك ـ التحقيق ان الغاية للوضع شيء آخر غير ما تصوروه ، فان الغرض منه إفادة ذوات المرادات