وتوضيح ذلك اما على الوجهين الأولين فلان المتبع فيهما حكم العقلاء وكيفية بنائهم ، ولا شك ان عملهم لأجل كشفها نوعا عن الواقع مع حفظ نفس الأمر على ما هو عليه من غير تصرف فيه ولا انقلابه عما هو عليه ، ومع هذا كيف يمكن الحكم بالاجزاء مع انكشاف الخلاف و (بالجملة) لا شك ان عملهم بها لأجل كونه مرآة إلى الواقع بلا تصرف فيه أصلا «فحينئذ» المطلوب الّذي تعلق به الأمر لم يحصل بعد لتخلف الأمارة ، وما حصل لم يتعلق به الأمر ، و (اما) على الوجه الأخير على فرض صحته فلا شك في ان لسان أدلة حجيتها هو التحفظ على الواقع لا التصرف فيه وقلبه إلى طبق المؤدى (أضف إلى ذلك) ان معنى كون شيء أمارة ليس إلا كونه كاشفا عن الواقع عند المعتبر فلو تصرف مع ذلك فيه ، وقلب الواقع على طبق مؤداه لدى التخلف ، لخرجت الأمارة عن الأمارية ، فلو فرضنا ان للشارع إيجابا وتأسيسا فليس إلّا لأجل الكشف عن الواقع المحفوظ في وعائه ومعه لا معنى للاجزاء.
ومن ذلك يظهر ضعف ما ربما يقال : ان لسان دليل الحجية في الأمارات والأصول سواء ، وهو وجوب ترتيب الأثر عملا على قول العادل ، فمقتضى قوله صدق العادل هو التصديق العملي وإتيان المأمور به على طبق قوله كما سيأتي في الأصول ، وهو يقتضى الاجزاء في كلا المقامين (انتهى).
قلت ان القائل جمع بين امرين متناقضين ، فان القول بالاجزاء في العمل بالأمارات والاعتقاد بان إيجاب العمل على طبقها لأجل الكشف عن الواقع «لا يخلو» من مناقضة ، والعرف والعقلاء شاهدان عليها «فظهر» ان كل ما كان الملاك في التعبد به هو الكشف لا يعقل فيه الاجزاء ما لم نصر إلى التصرف فيه وانقلاب الواقع عما هو عليه ، وهو لا يناسب ملاك الاعتبار في الأمارات ، و (ما ذكر) من وحدة اللسان غير تام إذ إيجاب العمل على طبق قول العادل أو الأخذ بقول الثقة لأجل كونه ثقة وعدلا ، يكشف عن ان الملاك ، كشفها عن الواقع كما هو الملاك عند العرف والعقلاء ، وأين هذا من انقلاب الواقع عما هو عليه.
وما أفاده بعض الأكابر من الأساطين دام ظله الوارف ، من الاجزاء في الأمارات عند التخلف ، مع الاعتقاد بان حجية الأمارات من باب الطريقية وان الشارع لم يتصرف فيها سوى الإمضاء أو عدم الردع «لا يخلو» من نظر وإشكال.