قلت : عنه جوابان :
أحدهما : أن وفود العرب كانت ترد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيتعلم كل واحد منهم ما يتيسر له ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبعث السور المختلفة إلى القبائل المتفرقة ، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة نوح مثلا إلى قوم ، وقصة موسى إلى قوم ، فأراد الله سبحانه وتعالى الحكيم إظهار القصص وتشعبها في القبائل والبقاع ؛ موعظة لخلقه ، ومعجزة لرسوله صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : أن النفوس شديدة النفرة عن المواعظ والنصائح ، فأراد الله عزوجل تكرير قصص الأنبياء مع أممهم وأمثال ذلك ليترسخ فيها بسبب التكرار والترداد.
قوله تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي : يأخذهم عند تلاوته وتدبر مواعظه قشعريرة.
روى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قشعرّ جلد العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما تتحاتّ عن الشجرة اليابسة أوراقها» (١).
وعنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تعالى حرّمه الله على النار» (٢).
(ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) عدّى «تلين» بإلى ؛ لتضمنها معنى
__________________
(١) أخرجه البيهقي في شعبه (١ / ٤٩١ ح ٨٠٣). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠ / ٣١٠) وعزاه للبزار وقال : وفيه أم كلثوم بنت العباس ولم أعرفها ، وبقية رجاله ثقات. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٢٢) وعزاه للحكيم الترمذي في نوادر الأصول.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٧٧).