عنه إلى الصنم ؛ ليبلغ مقصوده من إلزامهم الحجة وتبكيتهم عند ظهور عجز آلهتهم.
فإن قيل : هل يعدّ مثل هذا كذبا؟
قلت : كلا ، بل هو من معاريض الكلام ، أي : إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا ، ومثله قول الملك لداود : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص : ٢٣].
قال بعض العلماء : العرب تستعمل التعريض في كلامها كثيرا ، فتبلغ مرادها بوجه هو ألطف من الكشف وأحسن من التصريح ، كما روي : أن قوما من العرب خرجوا يمتارون ، فلما صدروا خالف رجل منهم في بعض الليالي إلى عكم (١) صاحبه ، فأخذ منه برّا وجعله في عكمه ، فلما أرادوا الرحلة وقاما يتعاكمان رأى عكمه يشول (٢) ، وعكم صاحبه يثقل ، فأنشأ يقول :
عكما تغشّى بعض أعكام القوم |
|
لم أر عكما سارقا قبل اليوم (٣) |
فخوّن صاحبه بوجه هو ألطف من التصريح.
قال الشيخ أبو الفرج رحمهالله (٤) : قد ذهب جماعة من العلماء إلى هذا الوجه وأنه من المعاريض ، والمعاريض لا تذمّ خصوصا إذا احتيج إليها.
روى عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن في المعاريض لمندوحة
__________________
(١) العكم : العدل ما دام فيه المتاع (اللسان ، مادة : عكم).
(٢) أي : خفيفا (انظر : اللسان ، مادة : شول).
(٣) انظر هذه الرواية في : زاد المسير (٥ / ٣٦٠).
(٤) زاد المسير (٥ / ٣٦١).