ويجاب عنه بأن يقال : المراد بيوم بدر الذي كسى فيه ابن أبيّ العباس قميصه ، الزمان المقارب للوقعة ، كما تقول : يوم صفين ويوم بعاث ، كأنهم ـ والله أعلم ـ التمسوا له قميصا يوم ورودهم المدينة ، فتعذر في ذلك الوقت ، فأعطاه ابن أبيّ قميصه ؛ لأنه كان نظيره في الجسامة وامتداد القامة.
والجواب الثاني : أنه صلىاللهعليهوسلم كان لا يرد سائلا ، وكان أرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطلب أحد ثوبيه ليكفن فيه ، فأرسل إليه الدّثار (١) فأرسل يقول : أريد ثوبك الذي يلي جلدك ، فأرسله له.
الثالث : أنه أكرم بذلك ابنه عبد الله ، وكان رجلا صالحا.
الرابع : أنه رام بذلك استعطاف غيره واستمالتهم إلى الإسلام.
فإن قيل : هل ناله بركة القميص؟
قلت : كلا.
قال قتادة : ذكر لنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما يغني عنه قميصي من عذاب الله من شيء» (٢).
فإن قيل : تضمّن دفع القميص لتكفينه فائدة وحكمة ظهر أثرها.
قلت : نعم ، فإنه روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «والله إني لأرجو أن يسلم به ألف من قومه» (٣) ، فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج حين رأوا استشفاءه بقميص رسول
__________________
(١) الدثار : هو الثوب الذي يكون فوق الشّعار (اللسان ، مادة : دثر).
(٢) أخرجه الطبري (١٠ / ٢٠٦). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ٤٨٠) ، والواحدي في أسباب النزول (ص : ٢٦٢). والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ٢٥٩) وعزاه لأبي الشيخ.
(٣) انظر : المصادر السابقة.