فصل
وتصرف الأخماس الثلاثة إلى فقراء يتامى المسلمين ومساكينهم ، وأبناء السبيل ، لكل صنف خمس. وقد ذكرناهم فيما مضى.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) متعلق بمحذوف ، تقديره : إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا وأطيعوا (١) ، (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) يعني : محمدا صلىاللهعليهوسلم.
فإن قيل : لم قال : " على عبدنا" دون أن يذكره باسمه أو بوصفه الغالب وهو الرسالة؟
قلت : يعلّمهم أنه لم يخرجه وصف الرسالة وشرف النبوة وإنزال الكتاب عليه ورفعه ليلة المعراج إليه ؛ عن أن يكون عبدا لله. وقلّ أن يطلق عليه هذه اللفظة إلا مقترنة بأمر عظيم وشرف منيف ، كقوله سبحانه وتعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) ... الآية [الإسراء : ١] ، وقوله تبارك وتعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) ... الآية [الفرقان : ١] ، وليشرفه باسم العبودية المضافة إليه جلّت عظمته ، ألا ترى أن الملك العظيم من ملوك الدنيا إذا أضاف شخصا إليه بلفظ العبودية فقال : فلان عبدي وغلامي ، فإنه يجد لذلك لذاذة وسرورا ، ويكسب به شرفا وفخرا ؛ لأن ذلك دليل على أنه رضيه لنفسه واختاره لقربه وموالاته. كأنّ المعنى : على عبدنا الذي هو عبدنا على الحقيقة ، كما جاء في الحديث : «أولئك عبادي حقا».
ولأن زيادة الخضوع لله والتواضع لعظمته مما يوجب زيادة الشرف وارتفاع الدرجات للعبد ، ومما تتلذذ به نفوس المحبين لله والعارفين به ، كما قيل :
__________________
(١) انظر : التبيان (٢ / ٧) ، والدر المصون (٣ / ٤٢٠).