قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قد روي عن ابن عباس : أن من هاهنا إلى رأس الآية السابعة مما نزل بمكة ، وغيره لم يستثن شيئا وجعلها كلها مدنية (١).
على معنى : اذكر يا محمد اليوم إذ يمكر بك كفار قريش وأنت بمكة خائفا. والمراد من ذلك : تنبيهه صلىاللهعليهوسلم على ما أتاح له بعد ذلك من النصر والاستيلاء على الذين مكروا به ، حتى صار من أبقت سيوفه منهم في قبضته وأسره ، وتحت حكمه وسلطانه.
الإشارة إلى قصتهم :
قال ابن عباس وغيره : لما بويع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة ، خافت قريش من استفحال أمره وحدة شوكته ، وقال بعضهم لبعض : والله لكأنكم به وقد كرّ عليكم بالرجال. واجتمعوا للمشورة في دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير فقالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد ، بلغني ما اجتمعتم له ، فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، فقالوا : ادخل. فدخل معهم ، فقالوا : انظروا في أمر هذا الرجل ، فقال أبو البختري : رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدّوا وثاقه وتسدّوا بابه غير كوة تلقون منها إليه طعامه وشرابه وتتربصون به ريب المنون. قال إبليس : ما هذا برأي ، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم. فقال هشام بن عمرو ـ من بني عامر بن لؤي ـ : أما أنا فأرى أن تحملوه من بين أظهركم ، فلا يضرّكم ما صنع ولا أين وقع. فقال
__________________
(١) الماوردي (٢ / ٢٩٢) ، وزاد المسير (٣ / ٣١٦).