قال ابن عباس ومجاهد : نجاة ومخرجا من الضلال (١). وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].
فمتى كان مقصود الإنسان طلب الهدى ومجانبة الهوى أتته الألطاف الخفية ، وفاضت عليه الأسرار الإلهية ، وضاءت له الأنوار الربانية ، فجلت عن مرار قلبه الظلمة الصادّة عن إدراك الأشياء على حقائقها.
حدثنا شيخنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد قال : قرأت على الشيخ أبي عبد الله مظفر بن أبي نصر البواب وابنه أبي محمد عبد الله بن مظفر ببغداد قلت لهما : حدثكما الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي (٢) قال : كنت أسمع الفقهاء بالنظامية (٣) يقولون : إن القرآن معنى قائم بالذات والحروف ، والأصوات
__________________
(١) أخرجه الطبري (٩ / ٢٢٥) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٦٨٦) ، ومجاهد في تفسيره (ص : ٢٦١) ولفظه : مخرجا في الدنيا والآخرة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ٣٤٦) ، والسيوطي في الدر (٤ / ٥٠) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٢) محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر ، الحافظ الإمام ، محدث العراق ، أبو الفضل السلامي. ولد سنة سبع وستين وأربعمائة ، وبرع في اللغة ، وحصل الفقه والنحو ، وكان ثقة حافظا ضابطا ، ثبتا متقنا ، من أهل السنة ، رأسا في اللغة ، أخذ عنه ابن الجوزي علم الحديث ، وكان شافعيا ثم تحنبل ، وهو مقدم أصحاب الحديث في بغداد في وقته. مات في ثاني عشر شعبان سنة خمسين وخمسمائة (طبقات الحفاظ ص : ٤٦٧).
(٣) المدرسة النظامية : أنشأها ببغداد أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس ، الملقب نظام الملك قوام الدين الطوسي وزير السلطانين ألب أرسلان وولده ملكشاه السلجوقيين سنة ٤٥٧ ه ، وفي سنة ٤٦٢ ه أوقف عليها أوقافا جليلة ، وكانت مفخرة للإسلام ، درّس فيها أعيان العلماء والأئمة ـ