وقرأ الحسن : «ويذرك» بالرفع (١) ، على معنى : وهو يذرك ، أو هو عطف على (أَتَذَرُ مُوسى).
فإن قيل : هو في اعتقادهم ربهم الأعلى ، فكيف قالوا : (وَآلِهَتَكَ)؟
قلت : قد روي عن ابن عباس أنه قال : صنع فرعون أصناما لقومه وأمرهم بعبادتها وقال : أنا ربكم ورب هذه الأصنام ، فذلك قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)(٢) [النازعات : ٢٤] ، فيكون المعنى : ويذرك وآلهتك التي صنعتها ونصبتها للعبادة.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن في آخرين : «ويذرك وإلاهتك» بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وألف بعدها (٣). المعنى : ويذرك وربوبيتك وعبادة الناس إياك.
فحملته الحمية حين غرّوه وأغروه بموسى وقومه فقال : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) وخفّفها ابن كثير ونافع ، وشدّدها الباقون (٤).
والمعنى : سنعيد عليهم قتل الأبناء ، واستحياء النساء ، أراد اللعين بذلك إيلام بني إسرائيل واستذلالهم ، واجتثاث أصلهم ، واستئصال نسلهم ، وإيهام أغمار (٥) القبط وطغامهم أن موسى ليس هو ذلك المولود الموعود به على ألسنة الكهنة ، فإنه خاف انخزالهم عن عادتهم في عبادتهم إياه ، فتداخل بني إسرائيل روعة الوعيد
__________________
(١) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٢٩).
(٢) زاد المسير (٣ / ٢٤٢).
(٣) انظر هذه القراءة في : الطبري (٩ / ٢٥) ، وزاد المسير (٣ / ٢٤٤).
(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٢٦٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٩٤) ، والكشف (١ / ٤٧٤) ، والنشر (٢ / ٢٧١) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٢٩) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٩٢).
(٥) الغمر : الرجل الجاهل بالأمور ، والجمع : أغمار (الغريب لابن سلام ١ / ٢٤٩).