فإنّها نزلت بالمدينة (١) ، وذلك أنه لمّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة أتته أخبار اليهود ، فقالوا : يا محمد بلغنا أنّك تقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : عنيت الجميع ، فقالوا : يا محمد أما تعلم أنّ الله جلّ وعزّ أنزل التّوراة على موسى بن عمران عليهالسلام والتّوراة فيها أنباء كل شيء ، وخلفها موسى فينا ومعنا؟ ، قال النبي صلّى الله عليه [وسلم](٢) لليهود التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله عزوجل فأنزل الله تعالى في المدينة : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] إلى تمام الآيات الثلاث (٣).
وآلم السجدة مكية ، ما خلا ثلاث آيات منها ، فإنها نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط (٤) ، وذلك أنّه شجر بينهما كلام ، قال الوليد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنا أدرب منك لسانا ، وأحدّ سنانا ، وأردّ للكتيبة ، فقال له علي رضي الله عنه اسكت ، فإنّك فاسق. فأنزل الله تعالى بالمدينة : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [١٨] إلى تمام الآيات (٥). الأحزاب مدنية (٦) ، سبأ مكية (٧) ، فاطر مكية (٨) ، يس مكية (٩) ، والصافات مكية (١٠) ، ص مكية (١١) ، والزمر مكية ، ما خلا ثلاث آيات منها ، فإنها نزلت بالمدينة في وحشي (١٢) قاتل حمزة رضي الله عنه وذلك أنه أسلم ودخل المدينة ، فكان يثقل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم النّظر إليه [٢ / و] فتوهّم أنّ الله عزوجل لم يقبل إسلامه ، فأنزل الله عزوجل بالمدينة : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [٥٣]
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للنحاس : ٥ / ٢٧٧ ، وأسباب نزول الآيات : ٢٣٣.
(٢) ما بين معقومتين سقط من الأصل.
(٣) ينظر تفسير القرآن للصنعاني : ٣ / ١٠٦. ومجمع البيان : ٦ / ٣٩٥.
(٤) أبو وهب ، الأموي القرشي (ت ٦١ ه). ينظر الطبقات الكبرى : ٦ / ٢٤ ـ ٢٥ ، وأسد الغابة : ٥ / ٩٠.
(٥) ينظر جامع البيان : ٢١ / ١٢٩ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٥ / ٢٩٥ ، أسباب نزول الآيات : ٢٣٦.
(٦) ينظر البرهان للزركشي : ١ / ١٩٤ ، ومنار الهدى : ٢٦٠.
(٧) الدر المنثور : ٦ / ٦٧٣ ، ومنار الهدى : ٢٦٠.
(٨) ينظر التلخيص : ٣٧٧ ، وفنون الأفنان : ١٥٠.
(٩) ينظر الجامع لأحكام القرآن : ١٤ / ١ ، والإتقان : ١ / ١٨١.
(١٠) ينظر المحرر الوجيز : ٤ / ٤٦٥ ، والبرهان للزركشي : ١ / ١٩٣.
(١١) المحرر الوجيز : ٤ / ٤٩١ ، والدر المنثور : ٧ / ١٤٢.
(١٢) هو وحشي بن حرب الحبشي (ت نحو ٢٥ ه). ينظر الطبقات الكبرى : ٧ / ٤١٨ ، والتاريخ الكبير للبخاري : ٨ / ١٨٠ ، والأعلام : ٨ / ١١١.