قوله تعالى : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧]
الإرجاء : الجوانب ، واحدها (رجا) ، وهو يكتب بالألف ؛ لأن تثنيته بالواو (١) ، قال الشاعر :
فلا يرمي بي الرّجوان إنّي |
|
أقلّ القوم من يغني مكاني (٢) |
والملك : واحد ويراد به الجماعة ؛ لأنّه جنس ، ولا يجوز أن يكون واحدا بعينه ؛ لأنّه لا يصح أن يكون ملك واحد على أرجائها ، أي : جوانبها في وقت واحد (٣) ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] ، أي : إن النّاس ؛ لأنّه قال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر : ٣] ، ولا يستثنى من الواحد ، ومثله : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] أي : المفسدين من المصلحين ، وكذا قول العرب :
أهلك الناس الدينار والدّرهم ، أي : الدنانير والدراهم (٤).
قوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الحاقة : ٤١ ـ ٤٢].
قول الشّاعر : ما ألّفه بوزن ، وجعله مقفى ، وله معنى. وقول الكاهن : السّجع ، وهو كلام متكلف يضم على معنى يشاكله.
وممّا يسأل عنه : لم منع الرسول عليهالسلام من الشعر؟
وعن هذا جوابان :
أحدهما : أن الغالب من حال الشعراء أنه يبعث على الشهوة ، ويدعو إلى الهوى ، والرسول عليهالسلام إنما يأتي بالحكم التي يدعو إليها العقل للحاجة إلى العمل عليها ، والاهتداء بها. والثاني : أنّ في منعه من قول الشعر دلالة على أنّ القرآن ليس من صفة الكلام المعتاد بين الناس ، وأنّه ليس بشعر ؛ لأنّ الّذي يتحدى به غير شعر ، ولو كان شعرا لنسب إلى من تحدى به وأنّه من قوله (٥).
__________________
(١) نبه لهذا الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ١٦٨ ، والنحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٤٩٨.
(٢) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ١٨ / ٢٦٦ ، وابن منظور في اللسان : ١٤ / ٢١٠ (رجا).
(٣) قال بهذا النحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٤٩٨ ، والسمرقندي في بحر العلوم : ٣ / ٣٩٨.
(٤) مجمع البيان : ٨ / ٢٢٠.
(٥) ينظر فتح القدير : ٤ / ١٢١.