وممّا يسأل عنه أن يقال : لم كان التبرك باليمين؟
والجواب : أن العمل يتيسر بها ؛ لأن الشمال يتعسر العمل بها من نحو : الكتابة والتجارة والأعمال الدقيقة.
قال الفراء (١) : المعنى في قوله : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) :
فسلام لك أنك من أصحاب اليمين ، فألقيت (أنّ) وهو معناهما ، كما تقول : أنت مصدق ومسافر عن قليل ، إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل ، وكذلك تجده في قولك : إنك مسافر عن قليل ، قال : والمعنى : فسلام لك أنت من أصحاب اليمين ، ويكون كالدعاء له ، كقولك : سقيا لك من الرجال ، وإن رفعت (السّلام) فهو دعاء ، وقال قتادة المعنى : فسلام لك أيها الإنسان الذي هو لك من أصحاب اليمين من عذاب الله ، وسلمت عليه الملائكة (٢) ، وقيل المعنى : سلمت مما تكره ؛ لأنك من أصحاب اليمين (٣).
قال أبو الفتح بن جني (٤) : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : مهما يكن من شيء فسلام لك إن كان من أصحاب اليمين ، ولا ينبغي أن يكون موضع (إِنْ كانَ) إلا هذا الموضع ؛ لأنه لو كان موضعه بعد (الفاء) يليها لكان قوله : (فَسَلامٌ لَكَ) جوابا له في اللفظ لا في المعنى ، ولو كان جوابا له في اللفظ لوجب إدخال (الفاء) عليه ؛ لأنه لا يجوز في سعة الكلام : إن كان من أصحاب اليمين سلام له ، فلما وجد (الفاء) فيه ثبت أنه ليس بجواب لقوله : (إِنْ كانَ) في اللفظ ، وإذا ثبت أنه ليس بجواب له في اللفظ ثبت أنّ موقع (إِنْ كانَ) بعده لا قبله ، قال : فإن قيل : إنّما يدل (الفاء) التي تكون جوابا لقوله : (إِنْ كانَ) لأجل الفاء التي تدخل جوابا ل (أمّا) ؛ لأنه لا يدخل حرف معنى على مثله ، قيل : إنما يدخل (الفاء) التي ل (أمّا) عليه ؛ لأنه ليس بجواب لقوله : (إِنْ كانَ ،) فلو كان جوابا له لما دخلت هذه (الفاء) في قوله : (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ) على أن (فاء) (أمّا) قد تكون موقعة بعد (الفاء) لا تليها ، فأما ما استدل به أبو علي (٥) على قوله :
__________________
(١) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٣١.
(٢) نقل عنه هذا القول النحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٣٤٦.
(٣) النكت والعيون : ٥ / ٤٦٧.
(٤) نسب هذا الرأي إلى ابن جني ابن الشجري في أماليه : ١ / ٣٥٦.
(٥) كتاب الشعر : ٦٤ ـ ٦٥.