وقرأ نافع وابن عامر (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) [الشورى : ٣٥] بالرفع على القطع. وقرأ الباقون (وَيَعْلَمَ) بالنصب على إضمار (أن) (١).
والكوفيون يقولون : نصب على الصّرف (٢) ، وإنما أضمرت (أن) ليكون مع الفعل مصدرا فيعطف على مصدر ما قبله ، ومثله قول الشاعر (٣) : [٨٦ / و]
للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من ليس الشّفوف |
أي : (وأن تقرّ عيني) ، أضمر (أن) ؛ لأن في صدر الكلام مصدرا وهو (لبس).
قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى : ٥١]
قال الفراء هذا (٤) : كما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يرى في منامه ويلهمه ـ يعني الوحي ، قال : ومن وراء حجاب كلّم موسى عليهالسلام أو يرسل رسولا مثل ما كان من الملائكة التي تكلّم الأنبياء عليهمالسلام.
قال غيره (٥) : إرسال الرسول أحد أقسام الكلام ، كما يقال : عتابك السيف ، كأنه قيل :
إلا وحيا أو إرسالا. وقيل المعنى : (إلا أن) ، كما تقول : لألزمنّك أو تقضيني حقي. فلا يكون الإرسال على هذا الوجه كلاما.
قرأ نافع وابن عامر أَوْ يُرْسِل بالرفع ، وهو وجه ، على تقدير : أو هو يرسل رسولا ، وقرأ الباقون بالنصب على إضمار (أن) كأن في التقدير أو أن يرسل رسولا (٦). ولا يجوز أن يكون معطوفا على (يُكَلِّمَهُ ؛) لأن المعنى يصير : وما كان لبشر أن يكلمه الله ، ولا كان أن يرسل رسولا ، وهذا إبطال النبوة (٧).
__________________
(١) غاية الاختصار : ٢ / ٦٤٩ ـ ٦٥٠ ، والكنز : ٥٥٩.
(٢) معاني القرآن للفراء : ٤ / ٢٤.
(٣) البيت لميسون بنت بحدل الكلبية. بلاغات النساء : ١١٨ ، واللسان ١٣ / ٤٠٨ (مسن) ، ومغني اللبيب : ١ / ٢٦٧ ، وحاشية الصبان : ٣ / ٣١٣. والشفوف : جمع شف ، وهو الثوب الرقيق.
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء : ٤ / ٢٦.
(٥) القول للطوسي في التبيان في تفسير القرآن : ٩ / ١٧٥.
(٦) ينظر النشر : ٢ / ٣٦٨ ، والبدور الزاهرة : ٥٢٧ ، والإتحاف : ٣٨٤.
(٧) ينظر مجمع البيان : ٩ / ٦١ ، والجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ٥٣.