وقال قتادة : هو من قول المؤمنين (١) ، والأول أعني : أنه من قول الملائكة ، قول الفراء (٢).
قوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢]
يقال : من المخاطب في قوله : (كُنْ؟)
وفيه ثلاثة أجوبة عن الزجاج (٣) :
أحدها : أنه لم يقع ، وإنما هو إخبار لحدوث ما يريد ، كأنه في التقدير : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يكوّنه فيكون ، فعبر عن هذا المعنى ب : (كُنْ ؛) لأنه أبلغ فيما يراد.
والثاني : أن المعنى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول من أجله (كُنْ فَيَكُونُ) فالمخاطب في هذين الوجهين معدوم ، وجاز أمر المعدوم ؛ لأنّ الآمر هو الموجد له.
والثالث : أن هذا إنما هو في التحويلات نحو قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥](٤) و (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) [الإسراء : ٥٠] وما أشبه ذلك.
ولفظ الأمر في الكلام على عشرة أوجه :
أحدها : الأمر لمن دونك ، نحو قولك لغلامك : قم.
والثاني : الندب ، نحو قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [النور : ٣٣].
والثالث : الإباحة ، نحو قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠].
والرابع : الدعاء ، نحو قوله : (آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] ، ونحو قوله : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا) [البقرة : ٢٨٦]
والخامس : الرغبة ، نحو قوله : ارفق بنفسك ، أحسن إلى نفسك.
والسادس : الشفاعة ، نحو قولك : هب لي ذنبه ، شفعني فيه.
والسابع : التحويل ، نحو قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥] و (كُونُوا حِجارَةً) [الإسراء : ٥٠].
__________________
(١) الجواهر الحسان : ٥ / ١٦.
(٢) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣٨٠ ، والبرهان للزركشي : ١ / ٣٤٥.
(٣) معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٥٣.
(٤) ينظر الأمالي الشجرية : ١ / ٤١٠ ـ ٤١٤.