قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) [سبأ : ٣٣]
قال الحسن وابن زيد المعنى : بل مكركم في الليل والنهار (١) ، وكذلك في العربية يتسع في الكلام فتضاف [٧٦ / ظ] الأحداث إلى الزمان ، ويخبر عن الزمان بما يقع فيه ، فيقال :
صيام النهار وقيام الليل ، والمعنى : الصيام في النهار ، والقيام في الليل ، ويقولون : ليل قائم ونهار صائم ، والليل والنهار غير صائمين (٢) ، قال الشاعر (٣) :
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى |
|
ونمت وما ليل المطيّ بنائم |
وأضاف الليل إلى المطي على الاتساع ، ووصف الليل بالنوم ، وهذا على حد قولك :
ليلي نائم ، فيقول السامع : ليس ليلك بنائم.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ : ٤٨].
يجوز في (عَلَّامُ) وجهان : النصب والرفع ، فالنصب (٤) من وجهين :
أحدهما : أن يكون نعتا لربي ، كأنه قال : قل إن ربي علّام الغيوب يقذف بالحق (٥).
والثاني : أن يكون نصبا على المدح ، كأنك قلت : أعني علام الغيوب (٦).
وأما الرفع فيجوز من وجهين أيضا :
أحدهما : أن يكون بدلا من المضمر في (يَقْذِفُ) [سبأ : ٤٨] ؛ لأن في (يَقْذِفُ) ضميرا تقديره : يقذف هو (٧)
والثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال : هو علّام الغيوب (٨).
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن : ٢١١.
(٢) ينظر المسألة في الكتاب : ١ / ٨٩ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ٤٧ ، والمقتضب : ٣ / ١٠٥ ، والأصول : ٢ / ٢٥٥ ، وشرح السيرافي : ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٣) البيت لجرير في ديوانه : ١ / ٥٣ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٨ ، والمبرد في المقتضب : ٣ / ١٠٥.
(٤) قراءة النصب شاذة نسبها ابن خالويه في مختصر في شواذ القراءات : ١٢٢ إلى عيسى بن عمر وابن أبى إسحاق ، وينظر مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٩٠.
(٥) أشار إلى هذا الفراء في معاني القرآن : ١ / ٤٧٠.
(٦) هذا رأي المبرد في المقتضب : ٤ / ١١٤.
(٧) قال بهذا الفارسي في كتاب الشعر : ١ / ٢٨٣.
(٨) نبه لذلك سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٨٦ ، ووافقه ابن السراج في الأصول : ١ / ٢٥١.