واختلف في (وراء) :
فقال قوم : هو نقيض قدّام (١).
وقال [٥٣ / و] قتادة : هو بمعنى أمام (٢) ، ومثله : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) [الجاثية : ١٠] ، وهو محتمل ؛ لأنّه من المواراة ، قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقومي تميم والفلاة ورائيا (٣) |
أي : أمامي.
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩].
قال أصحاب المعاني : المعنى : قل لو كان البحر مدادا لكتابة معاني كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كتابة معاني كلمات ربي ، فحذف لأنّ المعنى مفهوم ، والنفاد : الفراغ (٤).
وممّا يسأل عنه أن يقال : الكلمات لأقل العدد ، وأقل العدد العشرة فما دونها ، فكيف جاء هاهنا أقل العدد؟
والجواب : أن العرب تستغني بالجمع القليل عن الكثير ، وبالكثير عن القليل (٥) ، قال الله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧] ، وغرف الجنّة أكثر من أن تحصى ، وقال : (هُمْ دَرَجاتٌ) [آل عمران : ١٦٣] ، وقال حسان (٦) :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى |
|
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
وكان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية (٧) التي تروى عن النّابغة ، وأنّه قال له : قللت جفناتكم وأسيافكم ، فقال : لا يصحّ هذا عن النابغة.
__________________
(١) هذا رأي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٢٤٩.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٥٧ ، ومجاز القرآن : ١ / ٤١٢ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٢٨٨ ، والنكت والعيون : ٣ / ٣٣٢.
(٣) البيت لسوار بن المضرب كما في شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٨٣ ، واللسان : ١٥ / ٣٩٠ (وري).
(٤) ينظر العين : ٨ / ٥٠ (نفد).
(٥) ينظر الكتاب : ٢ / ١٨١ ، والخصائص : ٢ / ٢٠٦.
(٦) ديوانه : ٢٢١ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ٢ / ١٨١ ، والمبرد في المقتضب : ٢ / ١٨٨ ، وابن جني في الخصائص : ٢ / ٢٠٦.
(٧) رواها كاملة العسكري في المصون : ٣ ـ ٤.