و ـ ثانيا ـ انا نمنع التخيير بين كل ما يصدق عليه الفرد بل ان كان الكل مباحا فالتخيير بين الجميع وإلّا ففى الافراد المباحة ، فليس الفرد غير المباح مطلوبا ولكنه لا يلزم منه بطلان الطبيعة الحاصلة فى ضمنه لان الحرام يصير مسقطا عن الواجب فى التوصليات بل التحقيق ان قولهم : الواجب التوصلى يجتمع مع الحرام ـ على مذاق الخصم ـ لا بد ان يكون معناه انه مسقط عن الواجب لا انه واجب وحرام ـ كما لا يخفى.
الثانى انه لو لم يجز ذلك لما وقع فى الشرع وقد وقع كثيرا.
منها العبادات المكروهة فان الاستحالة المتصورة انما هى من جهة اجتماع الضدين والاحكام الخمسة ـ كلها ـ متضادة بالبديهة فلو لم يكن تعدد الجهة مجديا لزم القبح وهو محال على الشارع.
واجيب عن ذلك بوجوه.
الاول ـ ان المناهى التنزيهية راجعة الى شىء خارج من العبادة بحكم الاستقراء فالنهى عن الصلاة فى الحمام انما هو عن التعرض للرشاش. وفى البطائح عن تعرض السيل ـ ونحو ذلك ـ فلم يجتمع الكراهة والوجوب.
وفيه ـ اولا ـ منع هذا الاستقراء وحجيته.
و ـ ثانيا ـ ان الفرق بين قولنا : لا تصل فى الحمام. ولا تصل فى الدار المغصوبة تحكم بحت فلنا ان نقول : ان حرمة الصلاة فى الدار المغصوبة انما هى لاجل التعرض للغصب وهو خارج عن حقيقة الصلاة. مع ان هذا لا يتم فى كثير من الحمامات وفى كثير من الاوقات. وتخصيص كراهة الصلاة بما كان فى معرض الرشاش فى غاية البعد. وكون العلة والنكتة هو ذلك فى اصل الحكم ـ كرفع ارياح الآباط فى غسل الجمعة ـ لا يستلزم كون الكراهة دائما لذلك ـ كما فى غسل الجمعة ـ هذا كله فيما ورد (١) النهى عنه.
__________________
(١) اى فيما كان بين المأمور به والمنهى عنه العموم والخصوص المطلق.