طريق اثباته :
ان كل عاقل يراجع نفسه يرى ان عليه نعماء ظاهرة وباطنة جسمية وروحانية مما لا يحصى ولا شك انها من غيره فهذا العاقل ان لم يلتفت الى منعمه ولم يعترف له باحسان ولم يذعن بكونه منعما ولم يتقرب الى مرضاته يذمه العقلاء ويستحسنون سلب تلك النعم عنه. وهذا معنى الوجوب العقلى.
وايضا اذا رأى نفسه مستغرقة بالنعم العظام يجوز ان المنعم بها قد اراد منه الشكر عليها وان لم يشكر يسلبها عنه ، فيحصل له خوف العقوبة ـ ولا اقل من سلب تلك النعم ـ ودفع الخوف عن النفس واجب مع القدرة وهو ـ قادر ـ فلو تركه كان مستحقا للذم فاذا ثبت وجوب شكر المنعم ووجوب إزالة الخوف عن النفس وهو لا يتم إلّا بمعرفة المنعم وجب معرفة الله تعالى عقلا.
والدليل الى هنا يثبت وجوب معرفة المنعم.
اما كيفية تحصيل تلك المعرفة وهو الكلام فى المقام الثالث فتقرير الدليل
ان المعرفة انما تتم بالنظر لان التقليد لا يفيد إلّا الظن وهو لا يزيل الخوف وما لا يتم الواجب الا به واجب فالنظر واجب.
واحتج الموجبون للنظر ـ ايضا ـ بالادلة الشرعية وهو من وجوه : الاول الآيات الواردة فى المنع عن التقليد عموما مثل ما دل على حرمة العمل بالظن والقول من غير علم مثل قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) و (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وقوله ـ تعالى ـ (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ونحو ذلك وخصوصا مثل قوله ـ تعالى ـ (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) اقول : اكثر (هذه الآيات) واردة فى المتعنت المعاند الذى ظهر عليه الحق وتركه تعنتا او اقيم عليه الحجة وكان يقصر فى النظر ولا تدل على ان الذى حصل له الاطمينان والذى حصل له الظن ولا يمكنه تحصيل ازيد منه معاقب على ذلك.