وقد عرض فى هذا الفصل مذهبهم فى شكل مجادلة بين الصابئين والحنيفيين وهم أتباع إبراهيم عليهالسلام وقد خرج من هذه المناقشة بأن الصابئين يقيمون دينهم على أساس من الروحانيات ، والتى هى الوسائط بين الله الخالق العاقل والخالى من كل صفة من صفات الخلق وبين البشر ، وهذه الروحانيات خالصة من كل الاعتبارات ، فى المادة والفعل والحالة فى المادة لأنها خالصة من أى شىء مادى أو أى حركة ذاتية ، أو أى تغير مزاجى ، وحسب تعاليم أساتذتهم الأوائل أجدامون ، وهرمس ، وسطائهم عند الله الذى هو رب الأرباب وإله الآلهة ، وحتى يتعلقوا بهذه الروحانيات فإنهم يأخذون على عاتقهم تطهير أنفسهم من الرغبات الطبيعية وتطهر أخلاقهم من الرجس ، وإذا تطهروا على هذا النحو استطاعوا أن ينصرفوا إلى شئونهم ليلتمسوا بعد ذلك عفو الله «الشهرستانى ص (٢٠٣ ، ٢٠٤) ونرى من خلال عرض الشهرستانى أن ديانة الصابئين متأثرة بالثنائية الفارسية ولكن هذا يخرج بنا عن سياق الحديث.
ولكن لو كان الصابئون متأثرين بالثنائية الفارسية فالقرآن يميز بينهم وبين المجوس بصراحة فى القرآن كما تشهد الآية (١٧) من سورة الحج ، والتى ذكرناها فى بداية هذا الفصل.
وعلى هذا يجب أن نتساءل هنا لما ذا قال القرآن عنهم (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١) ، (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٢) ، تماما كما تحدث عن اليهود والنصارى؟ هل هم أيضا من أهل الكتاب هؤلاء الصابئون؟ فبينما لم يحدثنا القرآن عن عنوان كتابهم عين لنا عناوين كتب اليهود والنصارى «التوراة والإنجيل» ، وما كان من الممكن أن يذكر القرآن كتاب «الجنزا» «الكنز فى العربية» ، لأن هذا الكتاب لم يكن قد جمع إلا فيما بعد فى القرنين السابع والثامن الميلادى ،
__________________
(١) سورة المائدة ، آية (٦٩).
(٢) سورة البقرة ، آية (٦٢).