(ب) ومن ناحية أخرى فإن الكعبة فى مكة قبل الهجرة كانت أيضا معبد الوثنية العربية وهى تتأهب لتكون قبلة الإسلام الوليد الذى جاء ليقضى على الوثنية ولا تلائم فى النهاية أن تكون قبلة للصلاة لهذا التجمع الجديد ، وكان الأمر يستلزم هذا البعد الكبير عن مكان الكعبة حتى يقضى على هذا الانطباع ولا نرى الكعبة كمكان رفيع للوثنية ، ولكن كأكبر قلاع الإسلام المقدسة.
(ج) ونضيف أيضا هنا أن الإسلام وهو دين إبراهيم وإبراهيم مؤسس الكعبة ، ولذلك كان من الطبيعى جدا أن يتحول المسلمون فى صلاتهم إلى الكعبة.
نعتقد أن هذه البراهين تكفى لدحض قضية من أقاموا علاقة أيا كانت بين اختيار بيت المقدس قبلة فى البداية ، ورأى محمد فى اليهود ، أو التجمعات النصرانية فى الجزيرة العربية كما زعم أيضا فريدريش شفالى فى «تاريخ القرآن» ص (١٧٥ ، ١٧٦) ناخدرك.
ولذلك فالقول بأن القبلة قبل الهجرة كانت بيت المقدس شىء ولكن القول بأن محمدا أخذ هذه الشعيرة من اليهود شىء آخر تماما ، صحيح أن اليهود يتجهون فى صلاتهم شطر بيت المقدس «ارو (٨ ، ٤٤ ، ٤٨) سفر دانيال (٦ ، ٢)» وأن كل إسرائيلى فى صلاته يتوجه نفس الوجهة «يس ـ بار (١٧ ، ٥)» ولكن السبب الذى من أجله توجه النبى محمد صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الأقصى خلال العهد المكى ، هو أن الكعبة لم تكن قد طهرت من الأصنام ، أو كادت ولذلك كان المسجد الأقصى هو أنسب قبلة ، وقد تحدثت أول آية فى سورة الإسراء عن المسجد الأقصى ، صحيح أنه ليس هناك اتفاق على تحديد المسجد الأقصى ، ولكن التفسير الإسلامى فى عمومه يحدده بيت المقدس.
وقد انعقد الإجماع على أن هذه الآية مكية ، وأن رحلة الإسراء كانت من مكة إلى بيت المقدس.
وهنا يثور سؤال : أى قدس يقصد ، القدس السماوية ، أو القدس الأرضية الموجودة فى فلسطين؟ وهذا سؤال عبثى «طرحه بلاشير فى ترجمة