وافتراض آخر ليس أقل عبثا من هذا وهو افتراض موريس جودفروا ديمومبين ، فبعد أن ذكر الآيات السابقة على هذا الشكل المختصر الآتى : «وقال فرعون يا هامان أوقد لى على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى» ثم قال هذه ذكرى نورانية ولا تخلو من خلط ، فهامان هذا كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود : وفى الآية القرآنية له صلة بفرعون وقارون أغنى رجل فى الأرض وهم ثلاثة مسهم الشيطان كما سجل الشعر العربى القديم (١).
هذا النص ليس واضحا لأنه يخلط بين الشخصيات الثلاثة ولا يحدد فى أى شىء يكون هذا الخلط الذى يتحدث عنه ، وهو أقل وضوحا من نولدكه ، ومن ناحية أخرى فإن القول بأن هامان كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود لا يوضح لما ذا اعتبر فى القرآن وزيرا لفرعون ، فلقد كان لليهود أعداء آخرون ألد منه أيضا ومذكورون فى التوراة ولكن القرآن لم يذكر عنهم شيئا ومن باب أولى لم يلحقهم بفرعون.
إذا فكلام جود فرواديمومبين أكثر غباء أيضا وينم عن غموض مطبق فى تفكيره.
بعد أن بينا وجه الحق فى مزاعم نولدكه جود فرواديمومبين الآن ما هى تلك المشكلة الكاذبة فى موضوع هامان :
فى رأينا أن هامان المذكور فى الآيات القرآنية الستة المذكورة آنفا ليس اسم شخص ولكنه لقب للكاهن الأكبر لفرعون ، فلقد علمنا من تاريخ مصر أن الكاهن الأعظم لأمون تقلد بدءا من الأسرة التاسعة عشر سلطة كبيرة من الفرعون انتهت بأنه سيطر على النيل الأعلى وأصبح قائد الجيوش ونائب ملك (كوش) والخازن الأعظم للامبراطورية والمسئول الأعلى عن أبنية الآلهة (٢) فى الواقع أصبح وزير فرعون فى كل الأعمال العامة والأموال (٣) ، ومن بين الألقاب التى أطلقت على الوزير بتاح حتب نذكر «مراقب جميع أعمال الملك» (المرجع السابق) إذا فالكاهن الأعظم لأمون كان يشغل منصب وزير فرعون.
__________________
(١) موريس جودفروا ديمومبين ـ محمد ـ باريس (ص ٣٦٠).
(٢) أنظر أ. ه برشتد ، تاريخ مصر (ص ٥٢٠).
(٣) دوما ـ حضارة مصر الفرعونية باريس ١٩٦٥ ص ١٥٨.