وعندئذ صعد فرعون عليه ثم رمى السهم نحو السماء فتحولت إلى بقع من الدم وعندئذ قال فرعون : «لقد قتلت إله موسى» ، بينما يرى بعض المفسرين الآخرين أن فرعون لم يبن هذا الصرح لأنه حسب قول الفخر الرازى أى شخص عاقل يستبعد أن يفكر فى صعود برج أيا كان ارتفاعه ليقترب من السماء ، وفى الحقيقة أن من يصعد جبلا عاليا يرى السماء أبعد مما يراها من على الأرض ، وأى رجل عاقل يعرف تماما أنه لا يمكن عمل سهم يلمس السماء ، وكل من حاول القيام بعمل مثل هذا يعد مجنونا ، فلا يمكن حسب الدين ولا حسب العقل أن نفسر هذه الآيات بطريقة يرفضها العقل بالضرورة ، وكذلك يؤكد الرازى أن التفسير الأكثر تصديقا هو أن نقول أن فرعون أعطى تلميحا ببناء هذا الصرح لكنه لم يبنه فى الحقيقة ، وقول فرعون بهذه الكلمات (يا هامان ابن لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات) «كان هذا من باب السخرية ليثبت أنه من المستحيل اثبات وجود إله موسى وإلا سيطلع إلى السماوات ليتأكد إن كان ذلك ممكنا وأى ارتفاع على أي برج حتى أعلى ارتفاع ممكن ، وبهذا التفسير الرائع استطاع فخر الدين الرازى (١) أن يلقى الضوء على عبثية كلام فرعون.
ولكن لا أحد من المفسرين المسلمين أثار أية مشكلة فيما يتعلق بشخصية هامان وهذا يقتضى أنه لا أحد من النقاد المسيحيين أو اليهود للقرآن فكر فى إثارتها وإلا لوجدت إجابة واضحة من المدافعين المسلمين عن القرآن ، وفى الواقع أنه لا أحد من المجادلين المسيحيين من لدن يوحنا الدمشقى حتى عصر النهضة أثار هذه المشكلة فيما يخص هامان (٢) ولكننا نجد ذلك فقط فى المجادلات المسيحية الحديثة.
وحتى لا نذهب بعيدا فى تاريخ المجادلة المسيحية فى هذا الموضوع نكتفى
__________________
(١) فخر الدين الرازى ، تفسير القرآن ـ القاهرة (ج ٢٤ ص ٥٣) ، وتوجد مسودة من أصله عند عبد الجبار ، تنزيه القرآن (ص ٣١٠).
(٢) عادل تيودور خورى Adel ـ TheodreKhoury ـ علماء اللاهوت البيزنطيين والإسلام ، لوقان ١٩٦٩.