واعلم أن «لا» لفظ مشترك بين النفي وهي فيه على قسمين : قسم تنفي فيه الجنس فتعمل عمل «إن» كما تقدم ، وقسم تنفي فيه الوحدة وتعمل حينئذ عمل ليس ، وبين النهي والدعاء فتجزم فعلا واحدا ، وقد تجيء زيادة كما تقدم في (وَلَا الضَّالِّينَ)(١).
و (ذلِكَ) اسم إشارة : الاسم منه «ذا» واللام للبعد ، والكاف للخطاب ، وله ثلاث رتب : دنيا ولها المجرد من اللام والكاف نحو : ذا وذي وهذا وهذي ، ووسطى ولها المتصل بحرف الخطاب نحو : ذاك وذيك وتيك ، وقصوى ولها المتصل باللام والكاف نحو : ذلك وتلك ، ولا يجوز أن يؤتى باللام إلا مع الكاف ، ويجوز دخول حرف التنبيه على سائر أسماء الإشارة إلا مع اللام فيمتنع للطول ، وبعض النحويين لم يذكر له إلا رتبتين : دنيا وغيرها.
واختلف النحويون في ذا : هل هو ثلاثي الوضع أم أصله حرف واحد؟ الأول قول البصريين. ثم اختلفوا : هل عينه ولامه ياء فيكون من باب حيي أو عينه واو ولامه ياء فيكون من باب طويت ، ثم حذفت لامه تخفيفا وقلبت العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهذا كله على سبيل التمرين ، وإلا فهذا مبنى والمبنى لا يدخله تصريف.
وإنما جيء هنا بإشارة البعيد تعظيما للمشار إليه ومنه :
٩٩ ـ أقول له والرّمح يأطر متنه |
|
تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا (٢) |
أو لأنه لما نزل من السماء إلى الأرض أشير إليه بإشارة البعيد «أو لأنه كان موعودا به نبيه عليهالسلام أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ ، وفي عبارة المفسرين أشير بذلك للغائب يعنون البعيد ، وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضرا ذهنا أو حسا ، فعبروا عن الحاضر ذهنا بالغائب أي حسا ، وتحرير القول ما ذكرته لك».
والكتاب في الأصل مصدر قال تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٣) وقد يراد به المكتوب قال :
١٠٠ ـ بشّرت عيالي إذ رأيت صحيفة |
|
أتتك من الحجّاج يتلى كتابها (٤) |
ومثله :
١٠١ ـ تؤمّل رجعة منّي وفيها |
|
كتاب مثل ما لصق الغراء (٥) |
وأصل هذه المادة الدلالة على الجمع ، ومنه كتيبة الجيش وكتبت القربة : خرزتها والكتبة ـ بضم الكاف ـ الخرزة والجمع كتب قال :
١٠٢ ـ وفراء غرفيّة أثأى خوارزها |
|
مشلشل ضيّعته بينها الكتب (٦) |
__________________
(١) سورة الفاتحة ، آية (٧).
(٢) البيت لخفاف بن ندبة. انظر الأغاني (٢ / ١٢٩) ، الخزانة (٢ / ٤٧١) ، معاني القرآن للزجاج (١ / ٢٩).
(٣) سورة النساء ، آية (٢٤).
(٤) انظر البيت في معاني الفراء (١ / ٢١٢) ، البحر (٢ / ٤٤٧). انظر الطبري (٦ / ٣٦٨) ، القرطبي (٤ / ٤٩).
(٥) البيت لمسلم بن معبد الوالبي. الخزانة (١ / ٣٦٥) ، الطبري (١ / ٩٧) ، القرطبي (١ / ١١٢). وتنصب «مثل» على أنه بيان لحال المفعول المطلق المحذوف ، وتقديره : «كتاب لاصق لصوقا مثل ما لصق الغراء».
(٦) البيت لذي الرمة. انظر ديوانه (١١) ، القرطبي (١ / ١١٢).