٤٥ ـ ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها |
|
يرى قائم من دونها ما وراءها (١) |
ومنه : «إملاك العروس» لأنه عقد وربط للنكاح.
وقرئ : مالك (٢) بالألف قال الأخفش : يقال : ملك بين الملك بضم الميم ، ومالك بين الملك بفتح الميم وكسرها ، وروى ضمها أيضا بهذا المعنى.
وروى عن العرب : «لي في هذا الوادي ملك وملك وملك» مثلثة الفاء ، ولكن المعروف الفرق بين الألفاظ الثلاثة فالمفتوح الشد والربط والمضموم هو القهر والتسلط على من يتأتى منه الطاعة ، ويكون باستحقاق وغيره ، والمسكور هو التسلط على من يتأتى من الطاعة ومن لا يتأتى منه ، ولا يكون إلا باستحقاق فيكون بين المكسور والمضموم عموم وخصوص من وجه.
وقال الراغب : «والملك ـ أي بالكسر ـ كالجنس للملك ـ أي : بالضم ـ فكل ملك ـ بالكسر ـ ملك ، وليس كل ملك ملكا» فعلى هذا يكون بينهما عموم وخصوص مطلق ، وبهذا يعرف الفرق بين ملك ومالك ، فإن ملكا مأخوذ من الملك ـ بالضم ـ ومالكا مأخوذ من الملك ـ بالكسر ـ. وقيل : الفرق بينهما أن الملك اسم لكل من يملك السياسة : إما في نفسه بالتمكن من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإما في نفسه وفي غيره سواء تولى ذلك أم لم يتول.
وقد رجح كل فريق إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى ، وهذا غير مرضي ، لأن كلتيهما متواترة ، ويدل على ذلك ما روي عن ثعلب أنه قال : «إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى». نقله أبو عمر الزاهد في «اليواقيت» وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة (٣) : «وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين هاتين القراءتين ، حتى ان بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى ، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين وصحة اتصاف الرب تعالى بهما ، ثم قال : «حتى إني أصلي بهذه في ركعة ، وبهذه في ركعة» ذكر ذلك عند قوله : ملك يوم الدين ومالك.
ولنذكر بعض الوجوه المرجحة تنبيها على معنى اللفظة لا على الوجه الذي قصدوه. فمما رجحت به قراءة : (مالِكِ) أنها أمدح لعموم إضافته إذ يقال : (مالك الجن والإنس والطير) وأنشدوا على ذلك :
٤٦ ـ سبحان من عنت الوجوه لوجهه |
|
ملك الملوك ومالك العفو (٤) |
وقالوا : «فلان مالك كذا» لمن يملكه بخلاف «ملك» فإنه يضاف إلى غير المملوك نحو : «ملك العرب والعجم» ، ولأن الزيادة في البناء تدل على الزيادة في المعنى كما تقدم في (الرَّحْمنِ) ، ولأن ثواب تاليها أكثر من ثواب تالي «ملك».
__________________
(١) البيت لقيس بن الخطيم انظر ديوانه (٣) ، حماسة أبي تمام بشرح التبريزي (١ / ١٧٨) ، والمرزوقي (٢ / ٥١) ، القرطبي (١ / ١٦٦) ، مشكل القرآن لابن قتيبة (١٧٤) ، ديوان المعاني (٢ / ٥١) ، المختار من مشعر بشار (٩١) ، البحر المحيط (٨ / ١٨٤) ، الأغاني (٣ / ١٦٠) ، وملكت : أي شددت وقويت.
(٢) انظر تفسير القرطبي (١ / ١٣٩).
(٣) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم شهاب الدين أبو شامة مؤرخ محدث باحث ، توفي سنة ٦٦٥ ه. فوات الوفيات (١ / ٢٥٢) ، بغية الوعاة (٢٩٧) ، غاية النهاية (١ / ٣٦٥) ، الأعلام (٣ / ٢٩٩).
(٤) البيت من شواهد البحر المحيط. انظر (١ / ٢٢).