وقرئ مرفوعا على القطع من التبعية ، فيكون خبرا لمبتدأ محذوف أي : هو رب. وإذا قد عرض ذكر القطع في التبعية فلنستطرد ذكره لعموم الفائدة في ذلك : اعلم أن الموصوف إذا كان معلوما بدون صفته ، وكان الوصف مدحا أو ذما أو ترحما جاز في الوصف «التابع» الاتباع والقطع ، والقطع إما على النصب بإضمار فعل لائق ، وإما على الرفع على خبر مبتدأ محذوف ، ولا يجوز إظهار هذا الناصب ، ولا هذا المبتدأ ، نحو قولهم : «والحمد لله أهل الحمد» روى بنصب «أهل» ورفعه ، أي : أعني أهل ، أو هو أهل الحمد.
وإذا تكررت النعوت ، والحالة هذه كنت مخيرا بين ثلاثة أوجه : إما اتباع الجميع أو قطع الجميع ، أو قطع البعض ، واتباع البعض إلا أنك إذا أتبعت البعض وقطعت البعض وجب أن تبدأ بالاتباع ثم تأتي بالقطع من غير عكس نحو : مررت بزيد الفاضل الكريم ، لئلا يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بالجملة المقطوعة.
والعالمين : خفض بالإضافة علامة خفضه الياء لجريانه مجرى جمع المذكر السالم ، وهو اسم جمع لأن واحده من غير لفظه ولا يجوز أن يكون جمعا لعالم ، لأن الصحيح في «عالم» أنه يطلق على كل موجود سوى الباري تعالى لاشتقاقه من العلامة بمعنى أنه دال على صانعه ، وعالمون بصيغة الجمع لا يطلق إلا على العقلاء دون غيرهم ، فاستحال أن يكون عالمون جمع عالم ، لأن الجمع لا يكون أخص من المفرد ، وهذا نظير ما فعله سيبويه في أن «أعرابا» ليس جمعا ل «عرب» ، لأن عربا يطلق على البدوي والقروي ، وأعرابا لا يطلق إلا على البدوي دون القروي. فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون «عالمون» جمعا ل «عالم» مرادا به العاقل دون غيره فيزول المحذور المذكور؟ أجيب عن هذا بأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال : شيئون جمع شيء مرادا به العاقل دون غيره ، فدل عدم جوازه على عدم ادعاء ذلك.
وفي الجواب نظر إذ لقائل أن يقول : شيئون منع منه مانع آخر ، وهو كونه ليس صفة ولا علما فلا يلزم من منع ذلك منع «عالمين» مرادا به العاقل ، ويؤيد هذا ما نقل الراغب عن ابن عباس أن «عالمين» إنما جمع هذا الجمع ، لأن المراد به الملائكة والجن والإنس وقال الراغب أيضا : «إن العالم في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع اسم لما يطبع به ، وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة ، فالعالم آلة في الدلالة على صانعه» ، وقال الراغب أيضا : «وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم والإنسان إذا شارك غيره فيه اللفظ غلب حكمه» وظاهر هذا أن «عالمين» يطلق على العقلاء وغيرهم وهو مخالف لما تقدم من اختصاصه بالعقلاء كما زعم بعضهم ، وكلام الراغب هو الأصح الظاهر.
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣)
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : نعت أو بدل وقرئا منصوبين (١) ومرفوعين وتوجيه ذلك ما ذكر في (رَبِّ الْعالَمِينَ) وتقدم الكلام في اشتقاقهما في البسملة فأغنى عن إعادته.
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤)
قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : يجوز أن يكون صفة أيضا أو بدلا ، وإن كان البدل بالمشتق قليلا وهو مشتق من الملك بفتح الميم ، وهو الشد والربط قال الشاعر :
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ١٩).