به. ولا بدّ من حذف مضاف لتصحّ البدلية ، والتقدير : إلى حال العظام ، ونظيره قولهم : «عرفت زيدا : أبو من هو؟ فأبو من هو بدل من «زيدا» ، على حذف تقديره : «عرفت قصة زيد». والاستفهام في باب التعليق لا يراد به معناه ، بل جرى في لسانهم معلّقا عليه حكم اللفظ دون المعنى ، وهو نظير «أيّ» في الاختصاص نحو : «اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة» فاللفظ كالنداء في جميع أحكامه ، وليس معناه عليه.
وقرأ أبو عمرو والحرميّان : «ننشزها» بضم النون وكسر الشين والراء المهملة ، والباقون كذلك إلّا أنها بالزاي المعجمة. وابن عباس بفتح النون وضمّ الشين والراء المهملة أيضا والنخعي كذلك إلا أنها بالزاي المعجمة ، ونقل عنه أيضا ضمّ الياء وفتحها مع الراء والزاي.
فأمّا قراءة الحرميّين : فمن «أنشر الله الموتى» بمعنى أحياهم ، وأمّا قراءة ابن عباس فمن «نشر» ثلاثيا ، وفيه حينئذ وجهان :
أحدهما : أن يكون بمعنى أفعل فتتحد القراءتان.
والثاني : أن يكون من «نشر» ضدّ طوى أي يبسطها بالإحياء ، ويكون «نشر» أيضا مطاوع أنشر ، نحو : أنشر الله الميت فنشر ، فيكون المتعدي واللازم بلفظ واحد ، إلّا أنّ كونه مطاوعا لا يتصوّر في هذه الآية الكريمة لتعدّي الفعل فيها ، وإن كان في عبارة أبي البقاء في هذا الموضع بعض إبهام. ومن مجيء «نشر» لازما قوله :
١٠٥٨ ـ حتّى يقول النّاس ممّا رأوا |
|
يا عجبا للميّت النّاشر (١) |
فناشر من نشر بمعنى حيي.
وأمّا قراءة الزاي فمن «النّشز» وهو الارتفاع ، ومنه : «نشز الأرض» وهو المرتفع ، ونشوز المرأة وهو ارتفاعها عن حالها إلى حالة أخرى ، فالمعنى : يحرّك العظام ويرفع بعضها إلى بعض للإحياء. قال ابن عطية : «ويقلق عندي أن يكون النشوز رفع العظام بعضها إلى بعض ، وإنما النشوز الارتفاع قليلا قليلا» ، قال : «وانظر استعمال العرب تجده كذلك ، ومنه : «نشز ناب البعير» و «أنشزوا فأنشزوا» ، فالمعنى هنا على التدرّج في الفعل فجعل ابن عطية النشوز ارتفاعا خاصا.
ومن ضمّ النون فمن «أنشز» ، ومن فتحها فمن «نشز» ، يقال : «نشزه» «أنشزه» بمعنى. ومن قرأ بالياء فالضمير لله تعالى. وقرأ أبيّ «ننشئها» من النّشأة. ورجّح بعضهم قراءة الزاي على الراء بأن قال : العظام لا تحيا على الانفراد بل بانضمام بعضها إلى بعض ، والزاي أولى بهذا المعنى ، إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء ، فالموصوف بالإحياء الرجل دون العظام ، ولا يقال : هذا عظم حيّ ، وهذا ليس بشيء لقوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(٢).
ولا بدّ من ضمير محذوف من قوله : «العظام» أي العظام منه ، أي : من الحمار ، أو تكون «أل» قائمة مقام
__________________
(١) البيت للأعشى انظر ديوانه (١٩١) ، معاني الفراء (١ / ١٧٣) ، مجاز القرآن (٢ / ٧٠) ، أمالي الزجاجي (٧٩) ، القرطبي (٣ / ٢٩٥) ، التهذيب (١١ / ٣٣٨) ، (نشر) الخصائص (٣ / ٣٢٥) ، اللسان (نشر) ، البحر (٤ / ٣١٦).
(٢) سورة يس ، آية (٧٨).