وسنيهات وسانهت ، قال شاعرهم :
١٠٥٧ ـ وليست بسنهاء ولا رجّبيّة |
|
ولكن عرايا في السّنين الجوائح (١) |
ومعنى «لم يتسنّه» على قولنا : إنه من لفظ السّنة ، أي : لم يتغيّر بمرّ السنين عليه ، بل بقي على حاله ، وهذا أولى من قول أبي البقاء في أثناء كلامه «من قولك أسنى يسني إذا مضت عليه سنون» لأنه يصير المعنى : لم تمض عليه سنون ، وهذا يخالفه الحسّ والواقع.
وقرأ أبيّ : «لم يسّنّه» بإدغام التاء في السين ، والأصل : «لم يتسنّه» كما قرئ «لا يسمعون إلى الملأ (٢) ، والأصل : يتسمّعون فأدغم. وقرأ طلحة بن مصرف : «لمئة سنة».
قوله : (وَلِنَجْعَلَكَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق بفعل محذوف مقدّر بعده ، تقديره : ولنجعلك فعلنا ذلك.
والثاني : أنه معطوف على محذوف تقديره : فعلنا ذلك لتعلم قدرتنا ولنجعلك.
الثالث : أن الواو زائدة ، واللام متعلقة بالفعل قبلها أي : وانظر إلى حمارك لنجعلك. وليس في الكلام تقديم وتأخير كما زعم بعضهم فقال : إنّ قوله : (وَلِنَجْعَلَكَ) مؤخر بعد قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) ، وأنّ الأنظار الثلاثة منسوقة بعضها على بعض ، فصل بينها بهذا الجاز ، لأنّ النظر الثالث من تمام الثاني ، فلذلك لم تجعل هذه العلة فاصلة معترضة. وهذه اللام لام كي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي وما بعدها من الفعل في محلّ جر على ما سبق بيانه غير مرة. و «آية» مفعول ثان لأنّ الجعل هنا بمعنى التصيير. و «للناس» صفة لآية ، و «أل» في الناس قيل : للعهد إن عنى بهم بقية قومه. وقيل : للجنس إن عنى بهم جميع بني آدم.
قوله : (كَيْفَ) منصوب نصب الأحوال ، والعامل فيها «ننشزها» وصاحب الحال الضمير المنصوب في «ننشزها» ، ولا يعمل في هذه الحال «انظر» ، إذ الاستفهام له صدر الكلام ، فلا يعمل فيه ما قبله ، هذا هو القول في هذه المسألة ونظائرها. وقال أبو البقاء : «كيف ننشزها في موضع الحال من «العظام» ، والعامل في «كيف» ننشزها ، ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر» لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ولكن «كيف» و «ننشزها» جميعا حال من «العظام» ، والعامل فيها «انظر» تقديره : انظر إلى العظام محياة وهذا ليس بشيء ، لأن هذه جملة استفهام ، والاستفهام لا يقع حالا ، وإنما الذي يقع حالا وحده «كيف» ، ولذلك تبدل منه الحال بإعادة حرف الاستفهام نحو : «كيف ضربت زيدا أقائما أم قاعدا»؟
والذي يقتضيه النظر الصحيح في هذه المسألة وأمثالها أن تكون جملة «كيف ننشزها» بدلا من «العظام» ، فتكون في محلّ نصب ، وذلك أنّ «نظر» البصرية تتعدّى ب «إلى» ، ويجوز فيها التعليق كقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٣) فتكون الجملة في محلّ نصب ؛ لأن ما يتعدى بحرف الجر يكون ما بعده في محل نصب
__________________
(١) البيت لسويد بن صامت انظر أمالي القالي (١ / ٢١) ، معاني الفراء (١ / ١٧٣) ، مجالس ثعلب (١ / ٧٦) ، الطبري (٥ / ٤٦١) ، اللسان «رجب».
(٢) سورة الصافات ، آية (٨).
(٣) سورة هود ، آية (٢١).