جهة أنّ المحاجّة لم تقع وقت إيتاء الله له الملك ، إلا أن يتجوّز في الوقت ، فلا يحمل على الظاهر ، وهو أنّ المحاجّة وقعت ابتداء إيتاء الملك ، بل يحمل على أنّ المحاجّة وقعت وقت وجود الملك ، وإن عنى أنّ «أن» وما في حيّزها واقعة موقع الظرف فقد نصّ النحويون على منع ذلك وقالوا : لا ينوب عن الظرف الزماني إلا المصدر الصريح ، نحو : «أتيتك صياح الديك» ولو قلت : «أن يصيح الديك» لم يجز. كذا قاله الشيخ (١) ، وفيه نظر ، لأنه قال : «لا ينوب عن الظرف إلا المصدر الصريح» وهذا معارض بأنهم نصّوا على أنّ «ما» المصدرية تنوب عن الزمان ، وليست بمصدر صريح.
والضمير في «آتاه» فيه وجهان :
أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ أن يعود على «الذي» ، وأجاز المهدوي أن يعود على «إبراهيم» أي : ملك النبوة.
قال ابن عطية : «هذا تحامل من التأويل».
وقال الشيخ : «هذا قول المعتزلة ، قالوا : لأنّ الله تعالى قال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢) والملك عهد ، ولقوله تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(٣).
قوله : (إِذْ قالَ) فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنه معمول لحاجّ.
الثاني : أن يكون معمولا لآتاه ، ذكره أبو البقاء. وفيه نظر من حيث إنّ وقت إيتاء الملك ليس وقت قول إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، إلا أن يتجوّز في الظرف كما تقدّم.
والثالث : أن يكون بدلا من «أن آتاه الله الملك» إذا جعل بمعنى الوقت ، أجازه الزمخشري بناء منه على أنّ «أن» واقعة موقع الظرف ، وقد تقدّم ضعفه ، وأيضا فإن الظرفين مختلفان كما تقدّم إلا بالتجوز المذكور. وقال أبو البقاء : «وذكر بعضهم أنه بدل من «أن آتاه» وليس بشيء ، لأنّ الظرف غير المصدر ، فلو كان بدلا لكان غلطا إلا أن تجعل «إذ» بمعنى «أن» المصدرية ، وقد جاء ذلك» انتهى. وهذا بناء منه على أنّ «أن» مفعول من أجله وليست واقعة موقع الظرف ، أمّا إذا كانت «أن» واقعة موقع الظرف فلا تكون بدل غلط ، بل بدل كل من كل ، كما هو قول الزمخشري وفيه ما تقدّم ، مع أنه يجوز أن تكون بدلا من «أن آتاه» و «أن آتاه» مصدر مفعول من أجله بدل اشتمال ، لأنّ وقت القول لاتساعه مشتمل عليه وعلى غيره.
الرابع : أنّ العامل فيه «تر» من قوله : «ألم تر» ذكره مكي ، وهذا ليس بشيء ، لأنّ الرؤية على كلا التفسيرين المذكورين في نظيرتها لم تكن في وقت قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي) مبتدأ وخبر في محلّ نصب بالقول. قوله : «قال أنا أحيي» مبتدأ وخبر منصوب المحل بالقول أيضا. وأخبر عن «أنا» بالجملة الفعلية ، وعن «ربي» بالموصول بها ، لأنه في الإخبار بالموصول
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٨٧).
(٢) سورة البقرة ، آية (١٢٤).
(٣) سورة النساء ، آية (٥٤).