والثاني : أنها حال من العروة ، والعامل فيها «استمسك».
والثالث : أنها حال من الضمير المستتر في «الوثقى». و «لها» في موضع الخبر فتتعلّق بمحذوف أي : كائن لها. والانفصام ـ بالفاء ـ القطع من غير بينونة ، والقصم بالقاف قطع ببينونة ، وقد يستعمل ما بالفاء مكان ما بالقاف.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ) : الذين مبتدأ أول ، وأولياؤهم مبتدأ ثان ، والطاغوت : خبره ، والجملة خبر الأول. وقرأ الحسن «الطواغيت» بالجمع ، وإن كان أصله مصدرا لأنه لمّا أطلق على المعبود من دون الله اختلفت أنواعه ، ويؤيّد ذلك عود الضمير مجموعا من قوله : «يخرجونهم».
قوله : (يُخْرِجُونَهُمْ) هذه الجملة وما قبلها من قوله : (يُخْرِجُهُمْ) الأحسن فيها ألّا يكون لها محلّ من الإعراب ، لأنهما خرجا مخرج التفسير للولاية ، ويجوز أن يكون «يخرجهم» خبرا ثانيا لقوله : «الله» وأن يكون حالا من الضمير في «وليّ» ، وكذلك «يخرجونهم» والعامل في الحال ما في معنى الطاغوت ، وهذا نظير ما قاله الفارسي في قوله : (نَزَّاعَةً)(١) إنها حال العامل فيها «لظى» وسيأتي تحقيقه. و «من» و «إلى» متعلقان بفعلي الإخراج.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي) : تقدّم نظيره في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا)(٢). وقرأ عليّ رضي الله عنه : «تر» بسكون الراء ، وتقدّم أيضا توجيهها. والهاء في «ربه» فيها قولان :
أظهرهما : أنها تعود على «إبراهيم».
والثاني : تعود على «الذي» ، ومعنى حاجّه : أظهر المغالبة في حجّته.
قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله على حذف حرف العلة ، أي : لأن آتاه ، فحينئذ في محلّ «أن» الوجهان المشهوران ، أعني النصب أو الجرّ ، ولا بدّ من تقدير حرف الجر قبل «أن» لأنّ المفعول من أجله هنا نقّص شرطا وهو عدم اتحاد الفاعل ، وإنما حذفت اللام ، لأنّ حرف الجرّ يطّرد حذفه معها ومع أنّ ، كما تقدّم غير مرة. وفي كونه مفعولا من أجله معنيان :
أحدهما : أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجّة موضع الشكر ، إذ كان من حقّه أن يشكر في مقابلة إتيان الملك ، ولكنه عمل على عكس القضية ، ومنه : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٣) ، وتقول : «عاداني فلان لأني أحسنت إليه» وهو باب بليغ.
والثاني : أنّ إيتاء الملك حمله على ذلك ، لأنه أورثه الكبر والبطر ، فتسبّب عنهما المحاجّة.
الوجه الثاني : أنّ «أن» وما في حيّزها واقعة موقع ظرف الزمان ، قال الزمخشري : «ويجوز أن يكون التقدير : حاجّ وقت أن آتاه». وهذا الذي أجازه الزمخشري محلّ نظر ، لأنه إن عنى أنّ ذلك على حذف مضاف ففيه بعد من
__________________
(١) سورة المعارج ، آية (١٦).
(٢) سورة البقرة ، آية (٢٤٣).
(٣) سورة الواقعة ، آية (٨٢).