و «حفظ» مصدر مضاف لمفعوله ، أي لا يؤوده أن يحفظهما.
و (الْعَلِيُ) أصله : عليو فأدغم نحو : ميّت ، لأنه من علا يعلو ، قال :
١٠٤٢ ـ فلمّا علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر (١) |
و (الْعَظِيمُ) تقدّم معناها ، وقيل : هو هنا بمعنى المعظّم كما قالوا : «عتيق» بمعنى معتّق قال :
١٠٤٣ ـ فكأنّ الخمر العتيق من الإس |
|
فنط ممزوجة بماء زلال (٢) |
قيل : وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم ، إذ لا معظّم له حينئذ ، وهذا فاسد لأنه مستحق هذا الوصف. وقيل في الجواب عنه : إنه صفة فعل كالخلق والرّزق ، والأول أصحّ.
قال الزمخشري : «فإن قلت : كيف ترتّبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتّبت عليه ، والبيان متّحد بالمبيّن ، فلو توسّط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب : «بين العصا ولحائها» (٣) فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ، والثانية لكونه مالكا لما يدبّره ، والثالثة لكبرياء شأنه ، والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم ، المستوجب للشفاعة وغير المرتضى ، والخامسة لسعة علمه وتعلّقه بالمعلومات كلّها أو لجلاله وعظم قدرته» انتهى. يعني غالب الجمل وإلّا فبعض الجمل فيها معطوفة وهي قوله : (وَلا يُحِيطُونَ) وقوله : (وَلا يَؤُدُهُ) وقوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٢٥٨)
قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) : كقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٤) وقد تقدّم. والجمهور على إدغام دال «قد» في تاء «تبيّن» لأنها من مخرجها. ومعنى الإكراه نسبتهم إلى كراهة الإسلام. قال الزجاج : «لا تنسبوا إلى الكراهة من أسلم مكرها». يقال : «أكفره» نسبه إلى الكفر ، قال :
١٠٤٤ ـ وطائفة قد أكفروني بحبّهم |
|
وطائفة قالوا مسيء ومذنب (٥) |
__________________
(١) تقدم.
(٢) البيت للأعشى انظر ديوانه (٥) ، الطبري (٥ / ٤٠٦).
(٣) مجمع الأمثال للميداني (١ / ١٦٠) ، واللّحاء : القشر. ويضرب للمتحابين الشفيقين. ويروى «لا مدخل بين العصا ولحائها».
(٤) سورة البقرة ، آية (٢).
(٥) البيت لكميت وهو من شواهد البحر (٢ / ٢٨١).