صفة لشيء ، فيكون في محلّ جر. و «بما شاء» متعلّق بيحيطون أيضا ، ولا يضرّ تعلّق هذين الحرفين المتّحدين لفظا ومعنى بعامل واحد ؛ لأنّ الثاني ومجروره بدلان من الأوّلين ، بإعادة العامل بطريق الاستثناء ، كقولك : «ما مررت بأحد إلا بزيد» ومفعول «شاء» محذوف تقديره : إلا بما شاء أن يحيطوا به ، وإنما قدّرته كذلك لدلالة قوله : «ولا يحيطون بشيء من علمه».
قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) الجمهور على «وسع» بفتح الواو وكسر السين وفتح العين فعلا ماضيا.
و «كرسيّه» بالرفع على أنه فاعله ، وقرئ (١) «وسع» سكّن عين الفعل تخفيفا نحو : علم في علم. وقرئ أيضا : «وسع كرسيّه» بفتح الواو وسكون السين ورفع العين على الابتداء ، «كرسيّه» خفض بالإضافة ، «السموات» رفعا على أنه خبر للمبتدأ.
والكرسيّ الياء فيه لغير النسب واشتقاقه من الكرس وهو الجمع ، ومنه الكرّاسة للصحائف الجامعة للعلم ، ومنه قول العجاج :
١٠٣٧ ـ يا صاح هل تعرف رسما مكرسا؟ |
|
قال : نعم أعرفه وأبلسا (٢) |
وجمعه كراسيّ كبختيّ وبخاتيّ ، وفيه لغتان : المشهورة ضمّ كافه ، والثانية كسرها ، وكأنه كسر إتباع ، وقد يعبّر به عن الملك لجلوسه عليه تسمية للحالّ باسم المحلّ ، ومنه :
١٠٣٨ ـ قد علم القدّوس مولى القدس |
|
أنّ أبا العبّاس أولى نفس (٣) |
في معدن الملك القديم الكرسي |
وعن العلم تسمية للصفة باسم مكان صاحبها ، ومنه قيل للعلماء : «الكراسيّ» قال :
١٠٣٩ ـ يحفّ بهم بيض الوجوه وعصبة |
|
كراسيّ بالأحداث حين تنوب (٤) |
وصفهم بأنهم عالمون بحوادث الأمور ونوازلها ، ويعبّر به عن السّرّ قال :
١٠٤٠ ـ ما لي بأمرك كرسيّ أكاتمه |
|
ولا بكرسيّ ـ علم الله ـ مخلوق (٥) |
وقيل : الكرسيّ لكل شيء أصله.
قوله : (وَلا يَؤُدُهُ) يقال : آده كذا أي : أثقله ولحقه منه مشقّة ، قال :
١٠٤١ ـ ألا ما لسلمى اليوم بتّ جديدها |
|
وضنّت وما كان النّوال يؤودها (٦) |
أي : يثقلها ، ومنه الموءودة للبنت تدفن حية ، لأنهم يثقلونها بالتراب. وقرئ (٧) «يوده» بحذف الهمزة ، كما تحذف همزة «أناس» ، وقرئ «يووده» بإبدال الهمزة واوا.
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٧٩).
(٢) تقدم.
(٣) هما للعجاج انظر ديوانه (٢ / ٢١٧) ، البحر (٢ / ٢٧٩) ، الطبري (٥ / ٤٠٣) ، اللسان «كرس».
(٤) البيت في الطبري (٥ / ٤٠٢) ، القرطبي (٣ / ٢٧٧).
(٥) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٨٠).
(٦) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٧٢).
(٧) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٨٠).